للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي) أي: عن دعائي وتوحيدي، (سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) أي: صاغرين حقيرين، كما قال (١) الإمام أحمد:

حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن عجلان، حدثني عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي قال: "يُحْشَر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذّرّ، في صور الناس، يعلوهم كل شيء من الصغار حتى يدخلوا (٢) سجنا في جهنم -يقال له: بولس-تعلوهم نار الأنيار، يسقون من طينة الخبال: عصارة أهل النار" (٣).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا أبو بكر بن محمد بن يزيد بن خُنَيْس: سمعت أبي يحدث عن وُهَيب (٤) بن الورد: حدثني رجل قال: كنت أسير ذات يوم في أرض الروم، فسمعت هاتفا من فوق رأس جبل وهو يقول: يا رب، عجبت لمن عرفك كيف يرجو أحدا غيرك! يا رب، عجبت لمن عرفك كيف يطلب حوائجه إلى أحد غيرك -قال: ثم ذهبت، ثم جاءت الطامة الكبرى -قال: ثم عاد الثانية فقال: يا رب، عجبت لمن عرفك كيف يتعرض لشيء من سخطك يُرضي (٥) غيرك. قال وهيب: وهذه الطامة الكبرى. قال: فناديته: أجني أنت أم إنسي؟ قال: بل إنسي، أشغل نفسك بما يَعْنيك عما لا يعنيك.

﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٦١) ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٦٢) كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٦٣) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٦٤) هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٦٥)

يقول تعالى ممتنا على خلقه، بما جعل لهم من الليل الذي يسكنون فيه ويستريحون من حركات ترددهم في المعايش بالنهار، وجعل النهار مبصرا، أي: مضيئا، ليتصرفوا فيه بالأسفار، وقطع الأقطار، والتمكن من الصناعات، (إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) (٦) أي: لا يقومون بشكر نعم (٧) الله عليهم.

ثم قال: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلَهَ إِلا هُوَ) أي: الذي فعل هذه الأشياء هو الله الواحد الأحد، خالق الأشياء، الذي لا إله غيره، ولا رب سواه، (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) أي: فكيف تعبدون غيره من الأصنام، التي لا تخلق شيئا، بل هي مخلوقة منحوتة.


(١) في ت: "روى".
(٢) في ت: "يدخلون".
(٣) المسند (٢/ ١٧٩).
(٤) في ت: "وروى ابن أبي حاتم بسنده عن وهيب".
(٥) في ت، س: "برضى".
(٦) في ت: "ولكن أكثرهم". وهو خطأ.
(٧) في أ: "ما أنعم".