للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والأوثان.

﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦٧) هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٦٨)

وقد بين تعالى أنه لا يستحق العبادة أحد سواه، في قوله: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا) أي: هو الذي يقلبكم في هذه الأطوار كلها، وحده لا شريك له، وعن أمره وتدبيره وتقديره يكون ذلك كله، (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ) أي: من قبل أن يوجد ويخرج إلى هذا العالم، بل تسقطه أمه سقطا، ومنهم من يتوفى صغيرا، وشابا، وكهلا قبل الشيخوخة، كقوله: ﴿لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [الحج: ٥] وقال هاهنا: (وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) قال ابن جريج، تتذكرون البعث.

ثم قال: (هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) أي: هو المتفرد بذلك، لا يقدر على ذلك أحد سواه، (فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) أي: لا يخالف ولا يمانع، بل ما شاء كان [لا محالة] (١).

﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (٦٩) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٧٠) إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (٧١) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (٧٢) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٧٣) مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ (٧٤) ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (٧٥) ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٦)

يقول تعالى: ألا تعجب يا محمد من هؤلاء المكذبين بآيات الله، ويجادلون في الحق والباطل، كيف تُصرّف عقولهم عن الهدى إلى الضلال، (الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا) أي: من الهدى والبيان، (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) هذا تهديد شديد، ووعيد أكيد، من الرب، ، لهؤلاء، كما قال تعالى: ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ [المرسلات: ١٥].

وقوله: (إِذِ الأغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ) أي: متصلة بالأغلال، بأيدي الزبانية يسحبونهم على وجوههم، تارة إلى الحميم وتارة إلى الجحيم؛ ولهذا قال: (يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ)، كما قال: ﴿هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ * يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ﴾ [الرحمن: ٤٣، ٤٤]. وقال بعد ذكْره أكلهم الزقوم وشربهم الحميم: ﴿ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الْجَحِيمِ﴾ [الصافات: ٦٨] وقال: ﴿وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ﴾ إلى أن قال: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ * هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ﴾ [الواقعة: ٤١ - ٥٦]. وقال: ﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ * خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ * ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ * إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ﴾ [الدخان: ٤٣ - ٥٠]،


(١) زيادة من س، أ.