للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ذلك ولا يتساءلون ثم في النفخة الأخرى ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾

وأما قوله: ﴿مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾، ﴿وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾، فإن الله يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم فقال المشركون: تعالوا نقول: "لم نكن مشركين"، فيختم على أفواههم، فتنطق أيديهم، فعند ذلك يعرف (١) أن الله لا يكتم حديثا، وعنده ﴿يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ الآية [الحجر: ٢].

وخلق الأرض في يومين، ثم خلق السماء، ثم استوى إلى السماء، فسواهن في يومين آخرين، ثم دَحَى الأرض، ودَحْيُها: أن أخرج منها الماء والمرعى، وخلق الجبال والجماد والآكام وما بينهما في يومين آخرين، فذلك قوله: ﴿دَحَاهَا﴾ وقوله (خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) فَخُلِقت الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام، وخلقت السماوات في يومين.

﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ٩٦]، سمى نفسه بذلك، وذلك قوله، أي: لم يزل كذلك؛ فإن الله لم يرد شيئا إلا أصاب به الذي أراد، فلا يختلفن عليك القرآن، فإن كلا من عند الله ﷿.

قال البخاري: حدثنيه يوسف بن عدي، حدثنا عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أُنَيْسَة (٢)، عن المنهال -هو ابن عمرو-بالحديث (٣).

فقوله: (خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) يعني: يوم الأحد ويوم الاثنين.

(وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا) أي: جعلها مباركة قابلة للخير والبذر والغراس، (وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا)، وهو: ما يحتاج (٤) أهلها إليه من الأرزاق والأماكن التي تزرع وتغرس، يعني: يوم الثلاثاء والأربعاء، فهما مع اليومين السابقين أربعة؛ ولهذا قال تعالى: (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ) أي: لمن أراد السؤال عن ذلك ليعلمه.

وقال مجاهد وعكرمة في قوله: (وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا) جعل في كل أرض ما لا يصلح في غيرها، ومنه: العصب باليمن، والسابري بسابور والطيالسة بالرّي.

وقال ابن عباس، وقتادة، والسدي في قوله تعالى: (سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ) أي: لمن أراد السؤال عن ذلك.

وقال ابن زيد: معناه (وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ) أي: على وفق مراد من له حاجة إلى رزق أو حاجة، فإن الله قدر له ما هو محتاج إليه.

وهذا القول يشبه ما ذكروه في قوله تعالى: ﴿وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ﴾ [إبراهيم: ٣٤]، والله أعلم.

وقوله: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ)، وهو: بخار الماء المتصاعد منه حين خلقت الأرض،


(١) في أ: "عرفوا".
(٢) في أ: "شيبة".
(٣) صحيح البخاري (٨/ ٥٥٦) "فتح".
(٤) في س: "ما تحتاج".