وقوله:(فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) أي: خالقهما وما بينهما، (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا) أي: من جنسكم وشكلكم، منة عليكم وتفضلا جعل من جنسكم ذكرا وأنثى، (وَمِنَ الأنْعَامِ أَزْوَاجًا) أي: وخلق لكم من الأنعام ثمانية أزواج.
وقوله:(يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) أي: يخلقكم فيه، أي: في ذلك الخلق على هذه الصفة لا يزال يذرؤكم (١) فيه ذكورا وإناثا، خلقا من بعد خلق، وجيلا بعد جيل، ونسلا بعد نسل، من الناس والأنعام.
وقال البغوي ﵀:(يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) أي: في الرحم. وقيل: في البطن. وقيل: في هذا الوجه من الخلقة.
قال مجاهد: ونسلا بعد نسل من الناس والأنعام.
وقيل:"في" بمعنى "الباء"، أي: يذرؤكم به.
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) أي: ليس كخالق الأزواج كلها شيء؛ لأنه الفرد الصمد الذي لا نظير له، (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)
وقوله:(لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) تقدم تفسيره في "سورة الزمر"، وحاصل ذلك أنه المتصرف الحاكم فيهما، (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ) أي: يوسع على من يشاء، ويضيق على من يشاء، وله الحكمة والعدل التام، (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
يقول تعالى لهذه الأمة:(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ)، فذكر أول الرسل بعد آدم وهو نوح، ﵇ وآخرهم وهو محمد ﷺ، ثم ذكر من بين ذلك من أولي العزم وهم: إبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم، ﵈. وهذه الآية انتظمت ذكر الخمسة كما اشتملت آية "الأحزاب" عليهم في قوله: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ﴾ الآية [الأحزاب: ٧]. والدين الذي جاءت به الرسل كلهم هو: عبادة الله وحده لا شريك له، كما قال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: ٢٥]. وفي