للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وحكى ابن جرير عن بعض أهل العربية أنه جعل (١) [مثل] (٢) قوله: (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا) كقوله: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ﴾ [الزمر: ١٨] أي: هم الذين يستجيبون للحق ويتبعونه، كقوله : ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ﴾ [الأنعام: ٣٦] والمعنى الأول أظهر؛ لقوله (٣) تعالى: (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) أي: يستجيب دعاءهم ويزيدهم فوق ذلك؛ ولهذا قال ابن أبي حاتم:

حدثنا علي بن الحسين، حدثنا محمد بن المصفى، حدثنا بقية، حدثنا إسماعيل بن عبد الله الكندي، حدثنا الأعمش، عن شقيق عن عبد الله (٤) قال: قال: رسول الله في قوله: (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) قال: "الشفاعة لمن وجبت له النار، ممن صنع إليهم معروفا (٥) في الدنيا" (٦).

وقال قتادة عن إبراهيم النخعي اللخمي في قوله تعالى: (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) قال: يشفعون في إخوانهم، (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) قال: يشفعون في إخوان إخوانهم.

وقوله: (وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ) لما ذكر المؤمنين وما لهم من الثواب الجزيل، ذكر الكافرين وما لهم عنده يوم القيامة من العذاب الشديد الموجع المؤلم يوم معادهم وحسابهم.

وقوله: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأرْضِ) أي: لو أعطاهم فوق حاجتهم من الرزق، لحملهم ذلك على البغي والطغيان من بعضهم على بعض، أشرا وبطرا.

وقال قتادة: كان يقال: خير العيش ما لا يلهيك ولا يطغيك. وذكر قتادة حديث: "إنما أخاف عليكم ما يخرج الله من زهرة الحياة الدنيا" وسؤال السائل: أيأتي الخير بالشر؟ الحديث.

وقوله: (وَلَكِنْ يُنزلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) أي: ولكن يرزقهم من الرزق ما يختاره مما فيه صلاحهم، وهو أعلم بذلك فيغني من يستحق الغنى، ويفقر من يستحق الفقر. كما جاء في الحديث المروي: "إن من عبادي لمن (٧) لا يصلحه إلا الغنى، ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه، وإن من عبادي لمن لا يصلحه إلا الفقر، ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه"

وقوله: (وَهُوَ الَّذِي يُنزلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا) أي: من بعد إياس الناس من نزول المطر، ينزله عليهم في وقت حاجتهم وفقرهم إليه، كقوله: ﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ﴾ [الروم: ٤٩].

وقوله: (وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ) أي: يعم بها الوجود على أهل ذلك القُطْر وتلك الناحية.


(١) في ت، م: "جعله".
(٢) زيادة من ت، أ.
(٣) في ت: "كقوله".
(٤) في ت: "روى ابن أبي حاتم بسنده عن عبد الله".
(٥) في أ: "المعروف".
(٦) ورواه ابن أبي عاصم في السنة برقم (٨٤٦) من طريق محمد بن مصفى عن بقية به، وفي إسناده إسماعيل الكندي. قال الذهبي في الميزان (١/ ٢٣٥): "عن الأعمش، وعنه بقية، بخبر عجيب منكر".
(٧) في ت: "من".