للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكقوله (١) ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ﴾ [النحل: ١٢٦] فشرع العدل وهو القصاص، وندب إلى الفضل وهو العفو، كقوله [تعالى] (٢) ﴿وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ﴾ [المائدة: ٤٥]؛ ولهذا قال هاهنا: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) أي: لا يضيع ذلك عند الله كما صح في الحديث: "وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا" وقوله: (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) أي: المعتدين، وهو المبتدئ بالسيئة.

[وقال بعضهم: لما كانت الأقسام ثلاثة: ظالم لنفسه، ومقتصد، وسابق بالخيرات، ذكر الأقسام الثلاثة في هذه الآية فذكر المقتصد وهو الذي يفيض بقدر حقه لقوله: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا)، ثم ذكر السابق بقوله: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) ثم ذكر الظالم بقوله: (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) فأمر بالعدل، وندب إلى الفضل، ونهى من الظلم] (٣).

ثم قال: (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) أي: ليس عليهم جناح في الانتصار ممن ظلمهم.

قال ابن جرير (٤) حدثنا محمد بن عبد الله بن بَزيع (٥) حدثنا معاذ بن معاذ، حدثنا (٦) ابن عَوْن قال: كنت أسأل عن الانتصار: (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) فحدثني علي بن زيد (٧) بن جدعان عن أم محمد -امرأة أبيه-قال ابن عون: زعموا أنها كانت تدخل على أم المؤمنين عائشة (٨) -قالت: قالت أم المؤمنين: دخل علينا رسول الله ، وعندنا زينب بنت جحش، فجعل يصنع بيده شيئا فلم يَفْطِن لها، فقلت بيده حتى (٩) فَطَّنته لها، فأمسك. وأقبلت زينب تقحم لعائشة، فنهاها، فأبت أن تنتهي. فقال لعائشة: "سُبّيها" فسبتها فغلبتها، وانطلقت زينب فأتت عليا فقالت: إن عائشة تقع بكم، وتفعل بكم. فجاءت فاطمة فقال (١٠) لها "إنها حبة أبيك ورب الكعبة" فانصرفت، وقالت لعلي: إني قلت له كذا وكذا، فقال لي كذا وكذا. قال: وجاء علي إلى النبي فكلمه في ذلك (١١).

هكذا ورد هذا السياق، وعلي بن زيد بن جدعان يأتي في رواياته بالمنكرات غالبا، وهذا فيه نكارة، والحديث الصحيح خلاف هذا السياق، كما رواه النسائي وابن ماجه من حديث خالد بن سلمة الفأفاء، عن عبد الله البَهِيّ، عن عروة قال: قالت عائشة، : ما علمتُ حتى دخلت عليَّ زينب بغير إذن وهي غضبى، ثم قالت لرسول الله : حسبك إذا قلبت لك ابنة أبي بكر ذُرَيّعَتَيهَا ثم أقبلت علي فأعرضت عنها، حتى قال النبي : "دونك فانتصري" فأقبلت عليها حتى رأيتها وقد يبس ريقها في فمها، ما (١٢) ترد علي شيئا. فرأيت النبي يتهلل وجهه. وهذا لفظ


(١) في ت: "وقوله".
(٢) زيادة من ت.
(٣) زيادة من ت، أ.
(٤) في ت: "وروى ابن جرير".
(٥) في أ: "سويع".
(٦) في ت: "عن".
(٧) في ت: "يزيد".
(٨) في ت: "عائشة ".
(٩) في أ: "فقلت له حتى".
(١٠) في ت: "فقالت".
(١١) تفسير الطبري (٢٥/ ٢٤).
(١٢) في م: "لم".