للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يشكو إليك رجلا فقل: "يا أخي، اعف عنه". فإن العفو أقرب للتقوى، فإن قال: لا يحتمل قلبي العفو، ولكن أنتصر كما أمرني الله (١) ﷿. فقل له (٢) إن كنت تحسن أن تنتصر وإلا فارجع إلى باب العفو، فإنه باب واسع، فإنه من عفا وأصلح فأجره على الله، وصاحب العفو ينام على فراشه بالليل، وصاحب الانتصار يقلب الأمور (٣).

وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى -يعني ابن سعيد القطان-عن ابن عَجْلان، حدثنا سعيد بن أبي سعيد، (٤) عن أبي هريرة، أن رجلا شتم أبا بكر والنبي جالس، فجعل النبي يعجب ويتبسم، فلما أكثر رد عليه بعض قوله، فغضب النبي وقام، فلحقه أبو بكر فقال: يا رسول الله إنه كان يشتمني وأنت جالس، فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت! قال: "إنه كان معك ملك يرد عنك، فلما رددت عليه بعض قوله حضر (٥) الشيطان، فلم أكن لأقعد مع الشيطان". ثم قال: "يا أبا بكر، ثلاث كلهن حق، ما من عبد ظُلم بمظلمة فيغضي عنها لله، إلا أعز الله بها نَصْرَه، وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة، إلا زاده الله بها كثرة، وما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة، إلا زاده الله بها قلة"

وكذا رواه أبو داود، عن عبد الأعلى بن حماد، عن سفيان بن عيينة -قال: ورواه صفوان بن عيسى، كلاهما عن محمد بن عَجْلان (٦) ورواه من طريق الليث، عن سعيد المَقْبُرِي، عن بشير بن المحرر، عن سعيد بن المسيب مرسلا (٧).

وهذا الحديث في غاية الحسن في المعنى، وهو سببُ سبه للصديق (٨).

﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (٤٤)

يقول تعالى مخبرا عن نفسه الكريمة: إنه ما شاء (٩) كان ولا راد له، وما لم يشأ لم يكن فلا موجد له (١٠) وأنه من هداه فلا مُضِل له، ومن يضلل (١١) فلا هادي له، كما قال: ﴿وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا﴾ [الكهف: ١٧]

ثم قال مخبرا عن الظالمين، وهم المشركون بالله (لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ) أي: يوم القيامة يتمنون


(١) في ت: "ربي".
(٢) في ت، أ: "قال له الفضيل".
(٣) بعدها: "رواه ابن أبي حاتم".
(٤) في ت: "وروى الإمام أحمد بسنده".
(٥) في ت، م، أ: "وقع".
(٦) المسند (٢/ ٤٣٦) وسنن أبي داود برقم (٤٨٩٦، ٤٨٩٧).
(٧) سنن أبي داود برقم (٤٨٩٧).
(٨) في ت، أ: "وهذا الحديث في غاية الحسن وهو مناسب للصديق"، وفي م: "وهذا الحديث في غاية الحسن في المعنى وهو مناسب للصديق".
(٩) في ت: "ما شاء الله".
(١٠) في أ: "فلا مؤاخذة له".
(١١) في ت، م: "يضلل الله".