للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد ذكرنا الأحاديث (١) الواردة في ذلك في "سورة البقرة" بما أغنى عن إعادته.

ومن قال: إنها ليلة النصف من شعبان -كما روي عن عكرمة-فقد أبعد النَّجْعَة فإن نص القرآن أنها في رمضان. والحديث الذي رواه عبد الله بن صالح، عن الليث، عن عقيل عن الزهري: أخبرني عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس أن رسول الله قال: "تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان، حتى إن الرجل لينكح ويولد له، وقد أخرج اسمه في الموتى" (٢) فهو حديث مرسل، ومثله لا يعارض به النصوص.

وقوله: (إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) أي: معلمين الناس ما ينفعهم ويضرهم شرعًا، لتقوم حجة الله على عباده.

وقوله: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) أي: في ليلة القدر يفصل من اللوح المحفوظ إلى الكتبة أمر السنة، وما يكون فيها من الآجال والأرزاق، وما يكون فيها إلى آخرها. وهكذا روي عن ابن عمر، وأبي مالك، ومجاهد، والضحاك، وغير واحد من السلف.

وقوله: (حكيم) أي: محكم لا يبدل ولا يغير؛ ولهذا قال: (أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا) أي: جميع ما يكون ويقدره الله تعالى وما يوحيه (٣) فبأمره وإذنه وعلمه، (إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) أي: إلى الناس رسولا يتلو عليهم آيات الله مبينات، فإن الحاجة كانت ماسة إليه؛ ولهذا قال: (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا) أي: الذي أنزل هذا القرآن هو رب السموات والأرض وخالقهما ومالكهما وما فيهما، (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) أي: إن كنتم متحققين.

ثم قال: (لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأوَّلِينَ) وهذه الآية كقوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ [فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ](٤) الآية [الأعراف: ١٥٨].

﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (٩) فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (١٠) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (١١) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (١٢) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (١٣) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (١٤) إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (١٥) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (١٦)

يقول تعالى: بل هؤلاء المشركون في شك يلعبون، أي: قد جاءهم اليقين (٥)، وهم يشكون فيه، ويمترون ولا يصدقون به، ثم قال متوعدا لهم ومتهددًا: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ).

قال سليمان بن مِهْرَان الأعمش، عن أبي الضُّحَى مسلم بن صُبَيْح (٦)، عن مسروق قال: دخلنا


(١) في ت: "ألآثار".
(٢) رواه الطبري في تفسيره (٢٥/ ٦٥) والبيهقي في شعب الإيمان برقم (٣٨٣٩) من طريق الليث عن عقيل به.
(٣) في أ: "يوجبه".
(٤) زيادة من ت، أ.
(٥) في ت: "المبين".
(٦) في ت: "روى البخاري ومسلم في صحيحيهما".