للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال في قوله تعالى: (كَمْ تَرَكُوا (١) مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ) قال: كانت الجنان بحافتي هذا النيل من أوله إلى آخره في الشقين جميعًا، ما بين أسوان إلى رشيد، وكان له تسعة (٢) خلج: خليج الإسكندرية، وخليج دمياط، وخليج سردوس، وخليج منف، وخليج الفيوم، وخليج المنهى، متصلة لا ينقطع منها شيء عن شيء، وزروع ما بين الجبلين كله من أول مصر إلى آخر ما يبلغه الماء، وكانت جميع أرض مصر تروى من ستة عشر ذراعًا، لما قدروا ودبروا من قناطرها وجسورها وخلجها.

(وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ) أي: عيشة كانوا يتفكهون فيها فيأكلون ما شاؤوا ويلبسون ما أحبوا مع الأموال والجاهات والحكم في البلاد، فسلبوا ذلك جميعه في صبيحة واحدة، وفارقوا الدنيا وصاروا إلى جهنم وبئس المصير، واستولى على البلاد المصرية وتلك الحواصل الفرعونية والممالك القبطية بنو إسرائيل، كما قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الشعراء: ٥٩] وقال في موضع آخر (٣): ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾ [الأعراف: ١٣٧]. وقال هاهنا: (كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ) وهم بنو إسرائيل، كما تقدم.

وقوله: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ) أي: لم تكن لهم أعمال صالحة تصعد في أبواب السماء فتبكي على فقدهم، ولا لهم في الأرض بقاع عبدوا الله فيها فقدتهم؛ فلهذا استحقوا ألا ينظروا ولا يؤخروا لكفرهم وإجرامهم، وعتوهم وعنادهم.

قال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده: حدثنا أحمد بن إسحاق البصري، حدثنا مكي بن إبراهيم، حدثنا موسى بن عبيدة، حدثني يزيد الرقاشي، حدثني أنس بن مالك (٤)، عن النبي قال: "ما من عبد إلا وله في السماء بابان: باب يخرج منه رزقه، وباب يدخل منه (٥) عمله وكلامه، فإذا مات فقداه وبكيا عليه" وتلا هذه الآية: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ) وذُكر أنهم لم يكونوا عملوا (٦) على الأرض عملا صالحا يبكي عليهم. ولم يصعد لهم إلى السماء من كلامهم ولا من عملهم كلام طيب، ولا عمل صالح فتفقدهم فتبكي عليهم (٧).

ورواه ابن أبي حاتم من حديث موسى بن عبيدة وهو الربذي.

وقال ابن جرير: حدثني يحيى بن طلحة، حدثني عيسى بن يونس، عن صفوان بن عمرو، عن شريح بن عبيد الحضرمي قال: قال رسول الله (٨) إن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا. ألا لا غربة على مؤمن ما مات مؤمن في غربة غابت عنه فيها بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض". ثم


(١) في ت، م: "فأخرجناهم" وهو خطأ ولعل الناسخ أراد الآية: ٥٧ من سورة الشعراء.
(٢) في ت، م: "تسع".
(٣) في ت، م، أ: "الآية".
(٤) في ت: "وروى الحافظ أبو يعلى الموصلي بإسناده عن أنس بن مالك ".
(٥) في ت، أ: "فيه".
(٦) في ت، م: "يعملون".
(٧) مسند أبي يعلى (٧/ ١٦٠) ورواه الترمذي في السنن برقم (٣٢٥٥) من طريق موسى بن عبيدة به مختصر، وقال الترمذي: "هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه، وموسى بن عبيدة ويزيد بن أبان الرقاشي يضعفان في الحديث".
(٨) في ت: "وروى ابن جرير أن رسول الله قال".