للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ذلك النبي المبعوث في آخر الزمان، فعظمها وطاف بها (١)، وكساها الملاء والوصائل والحبير. ثم كر راجعًا إلى اليمن ودعا أهلها إلى التهود معه، وكان إذ ذاك دين موسى، ، فيه من يكون على الهداية قبل بعثة المسيح، ، فتهود معه عامة أهل اليمن. وقد ذكر القصة بطولها الإمام محمد بن إسحاق في كتابه السيرة (٢) وقد ترجمه الحافظ ابن عساكر في تاريخه ترجمة حافلة، أورد فيها أشياء كثيرة مما ذكرنا وما لم نذكر (٣). وذكر أنه ملك دمشق، وأنه كان إذا استعرض الخيل صُفَّت له من دمشق إلى اليمن، ثم ساق من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن أبي ذئب (٤)، عن المقبري، عن أبي هريرة، ، عن النبي قال: "ما أدري الحدود طهارة لأهلها أم لا؟ ولا أدري تبع لعينًا (٥) كان أم لا؟ ولا أدري ذو القرنين نبيًّا كان أم ملكا؟ " وقال غيره: "أعزيرًا كان نبيًّا أم لا؟ ". وكذا رواه ابن أبي حاتم، عن محمد بن حماد الظهراني، (٦) عن عبد الرزاق (٧).

قال الدارقطني: تفرد به عبد الرزاق (٨). ثم روى ابن عساكر من طريق محمد بن كُرَيْب، عن أبيه، عن ابن عباس، ، مرفوعا: "عُزيرُ لا أدري أنبيًّا كان أم لا؟ ولا أدري ألعين تُبَّع أم لا؟ " (٩).

ثم أورد ما جاء في النهي عن سبه ولعنته، كما سيأتي. وكأنه -والله أعلم-كان كافرًا ثم أسلم وتابع دين الكليم (١٠) على يدي من كان من أحبار اليهود في ذلك الزمان على الحق قبل بعثة المسيح، ، وحج البيت في زمن الجُرهُميين، وكساه الملاء والوصائل من الحرير والحبر ونحر عنده ستة آلاف بدنة وعظمه وأكرمه. ثم عاد إلى اليمن. وقد ساق قصته بطولها الحافظ ابن عساكر، من طرق متعددة مطولة (١١) مبسوطة، عن أبي بن كعب وعبد الله بن سلام، وعبد الله بن عباس وكعب الأحبار. وإليه المرجع في ذلك كله، وإلى عبد الله بن سلام أيضًا، وهو أثبت وأكبر وأعلم. وكذا روى قصته وهب بن مُنَبِّه، ومحمد بن إسحاق في السيرة كما هو مشهور فيها. وقد اختلط على الحافظ ابن عساكر في بعض السياقات ترجمة تُبَّع هذا بترجمة آخر متأخر عنه بدهر طويل، فإن تُبَّعًا هذا المشار إليه في القرآن أسلم قومه على يديه، ثم لما مات (١٢) عادوا بعده إلى عبادة الأصنام والنيران، فعاقبهم الله تعالى كما ذكره في سورة سبأ، وقد بسطنا قصتهم هنالك، ولله الحمد والمنة.

وقال سعيد بن جبير: كسا تبع الكعبة، وكان سعيد ينهى عن سبه.


(١) في ت: "فعظم الكعبة فطاف بها".
(٢) انظر: السيرة النبوية لابن هشام (١/ ١٩).
(٣) تاريخ دمشق (٣/ ٥٠٠ "القسم المخطوط").
(٤) في ت، أ: "ذؤيب".
(٥) في ت: "أمينا".
(٦) في م: "الطبراني".
(٧) ورواه الحاكم في المستدرك (١/ ٣٦) من طريق عبد الرزاق به، ورواه أبو داود في سننه برقم (٤٦٧٤) من طريق عبد الرزاق به إلا أنه قال: "عزيز" بدل: "ذو القرنين".
(٨) قال الحافظ ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (٢/ ٥٠): "وحديث عبادة بن الصامت: "إن الحدود كفارة لأهلها" أصح وأثبت سندا" ثم ساقه من طريق البخاري بسنده إلى عبادة بن الصامت.
(٩) تاريخ دمشق (٣/ ٥٠١ "القسم المخطوط").
(١٠) في ت، م، أ: "الخليل".
(١١) في م: "طويلة".
(١٢) في ت، م، أ: "توفي".