للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يذكر تعالى ما أنعم به على بني إسرائيل من إنزال الكتب عليهم وإرسال الرسل إليهم، وجعله الملك فيهم؛ ولهذا قال: (وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ) أي: من المآكل والمشارب، (وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) أي: في زمانهم.

(وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الأمْرِ) أي: حججا وبراهين وأدلة قاطعات، فقامت (١) عليهم الحجج ثم اختلفوا بعد ذلك من بعد قيام الحجة، وإنما كان ذلك بغيا منهم على بعضهم بعضا، (إِنَّ رَبَّكَ) يا محمد (يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) أي: سيفصل بينهم بحكمه العدل. وهذا فيه تحذير لهذه الأمة أن تسلك مسلكهم، وأن تقصد منهجهم؛ ولهذا قال: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأمْرِ فَاتَّبِعْهَا) أي: اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو، وأعرض عن المشركين، وقال هاهنا: (وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) أي: وماذا تغني (٢) عنهم ولايتهم لبعضهم بعضا، فإنهم لا يزيدونهم إلا خسارا ودمارا وهلاكا، (وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ)، وهو تعالى يخرجهم من الظلمات إلى النور، والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات.

ثم قال: (هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ) يعني: القرآن (وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)

﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (٢١) وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٢)

يقول تعالى: لا يستوي المؤمنون والكافرون، كما قال: ﴿لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [الحشر: ٢٠] وقال هاهنا: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ) أي: عملوها وكسبوها (أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ) أي: نساويهم بهم في الدنيا والآخرة! (سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) أي: ساء ما ظنوا بنا وبعدلنا أن نُسَاوي بين الأبرار والفجار في الدار الآخرة، وفي هذه الدار.

قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا مُؤمَّل بن إهاب، حدثنا بُكَير (٣) بن عثمان التَّنُوخِي، حدثنا الوَضِين بن عطاء، عن يزيد بن مَرْثَد الباجي (٤)، عن أبي ذر، ، قال: إن الله بنى دينه على أربعة أركان، فمن صبر عليهن ولم يعمل بهن لقي الله [وهو] (٥) من الفاسقين. قيل: وما هن يا أبا ذر؟ قال: يسلم حلال الله لله، وحرام الله لله، وأمر الله لله، ونهي الله لله، لا يؤتمن عليهن إلا الله.


(١) في ت: "فقامت به".
(٢) في ت: "وما يغني".
(٣) في أ: "بكر".
(٤) في ت: "وروى الحافظ أبو يعلى بإسناده".
(٥) زيادة من ت.