للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

خيبة الدهر. فيسندون تلك الأفعال إلى الدهر ويسبونه، وإنما فاعلها هو الله [﷿] (١) فكأنهم إنما سبوا، الله ﷿؛ لأنه فاعل ذلك في الحقيقة، فلهذا نُهي (٢) عن سب الدهر بهذا الاعتبار؛ لأن الله هو الدهر الذي يعنونه، ويسندون إليه تلك الأفعال.

هذا أحسن ما قيل في تفسيره، وهو المراد، والله أعلم. وقد غلط ابن حزم ومن نحا نحوه من الظاهرية في عدهم الدهر من الأسماء الحسنى، أخذا من هذا الحديث. .

وقوله (٣) تعالى: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ) (٤) أي: إذا استدل عليهم وبين لهم الحق، وأن الله قادر على إعادة الأبدان بعد فنائها وتفرقها، (مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) أي: أحيوهم إن كان ما تقولونه حقا.

قال الله تعالى: (قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ) أي: كما تشاهدون ذلك يخرجكم من العدم إلى الوجود، ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨] أي: الذي قدر على البداءة قادر على الإعادة بطريق الأولى والأحرى .. ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم ٢٧]، (ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ) أي: إنما يجمعكم ليوم القيامة لا يعيدكم في الدنيا حتى تقولوا: (ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) ﴿يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ﴾ [التغابن: ٩] (٥) ﴿لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ * لِيَوْمِ الْفَصْلِ﴾ [المرسلات: ١٢، ١٣]، ﴿وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلا لأَجَلٍ مَعْدُودٍ﴾ [هود: ١٠٤] وقال هاهنا: (ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ) أي: لا شك فيه، (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) أي: فلهذا ينكرون المعاد، ويستبعدون قيام الأجساد، قال الله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا﴾ [المعارج: ٦، ٧] أي: يرون وقوعه بعيدا، والمؤمنون يرون ذلك سهلا قريبا.

﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (٢٧) وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٩)

يخبر تعالى أنه مالك السموات والأرض، الحاكم فيهما (٦) في الدنيا والآخرة؛ ولهذا قال: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) أي: يوم (٧) القيامة (يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ) وهم الكافرون بالله الجاحدون ما أنزله على رسله من الآيات البينات والدلائل الواضحات.

وقال ابن أبي حاتم: قدم سفيان الثوري المدينة، فسمع المعافري (٨) يتكلم ببعض ما يضحك به الناس. فقال له: يا شيخ، أما علمت أن لله يومًا يخسر فيه المبطلون؟ قال: فما زالت تعرف في المعافري (٩) حتى لحق بالله، ﷿. ذكره ابن أبي حاتم.


(١) زيادة من ت، م.
(٢) في أ: "أنهى".
(٣) في ت: "وقال".
(٤) في م: "عليه" وهو خطأ.
(٥) في ت: "الفصل" وهو خطأ.
(٦) في م: "فيما".
(٧) في ت، أ: "تقوم".
(٨) في ت، م، أ: "العاضري".
(٩) في ت، م، أ: "العاضري".