للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

جلبابها، إن خيرا فخير، وإن شرًّا فشر" (١). وقد ذكرنا ما يستدل به على نفاق الرجل، وتكلمنا على نفاق العمل والاعتقاد (٢) في أول "شرح البخاري"، بما أغنى عن إعادته ها هنا. وقد ورد في الحديث تعيين جماعة من المنافقين. قال الإمام أحمد:

حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن سلمة، عن عياض بن عياض، عن أبيه، عن أبي مسعود عقبة بن عمرو، ، قال: خطبنا رسول الله خطبة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "إن منكم (٣) منافقين، فمن سميت فليقم". ثم قال: "قم يا فلان، قم يا فلان، قم يا فلان". حتى سمى ستة وثلاثين رجلا ثم قال: "إن فيكم -أو: منكم (٤) -فاتقوا الله". قال: فمر عمر برجل ممن سمى مقنع قد كان يعرفه، فقال: ما لك؟ فحدثه بما قال رسول الله ، فقال: بعدًا لك سائر اليوم (٥).

وقوله: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) أي: ولنختبرنكم بالأوامر والنواهي، (حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ). وليس في تقدم علم الله تعالى بما هو كائن أنه سيكون شك ولا ريب، فالمراد: حتى نعلم وقوعه؛ ولهذا يقول ابن عباس في مثل هذا: إلا لنعلم، أي: لنرى.

﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (٣٢) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (٣٣) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (٣٤) فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (٣٥)﴾.

يخبر تعالى عمن كفر وصد عن سبيل الله، وخالف الرسول وشاقه، وارتد عن الإيمان من بعد ما تبين له الهدى: أنه لن يضر الله شيئًا، وإنما يضر نفسه ويخسرها يوم معادها، وسيحبط الله عمله فلا يثيبه على سالف ما تقدم من عمله الذي عقبه بردته مثقال بعوضة من خير، بل يحبطه ويمحقه بالكلية، كما أن الحسنات يذهبن السيئات.

وقد قال الإمام محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة: حدثنا أبو قدامة، حدثنا وكيع، حدثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية قال: (٦) كان أصحاب رسول الله يظنون أنه لا يضر مع "لا إله إلا الله" ذنب، كما لا ينفع مع الشرك عمل، فنزلت: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) فخافوا أن يبطل الذنب العمل.


(١) سيأتي تخريج هذا الحديث عند تفسير الآية: ٢٩ من سورة الفتح.
(٢) في أ: "النفاق العملي والاعتقادي".
(٣) في ت: "فيكم".
(٤) في ت: "ومنكم".
(٥) المسند (٥/ ٢٧٣) قال الهيثمي في المجمع (١/ ١١٢): "فيه عياض بن أبي عياض عن أبيه ولم أر من ترجمهما".
(٦) في ت: "روى الإمام أحمد بإسناده".