للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد استدل بها البخاري وغيره من الأئمة على تفاضل الإيمان في القلوب.

ثم ذكر تعالى أنه لو شاء لانتصر من الكافرين، فقال: (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) أي: ولو أرسل عليهم ملكا واحدا لأباد خضراءهم، ولكنه تعالى شرع لعباده المؤمنين الجهاد والقتال، لما له في ذلك من الحكمة البالغة والحجة القاطعة، والبراهين الدامغة؛ ولهذا قال: (وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)

ثم قال تعالى: (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا)، قد تقدم حديث أنس: قالوا: هنيئا لك يا رسول الله، هذا لك فما لنا؟ فأنزل الله: (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا) أي: ماكثين فيها أبدا. (وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ) أي: خطاياهم وذنوبهم، فلا يعاقبهم عليها، بل يعفو ويصفح ويغفر، ويستر ويرحم ويشكر، (وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا)، كقوله: ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [آل عمران: ١٨٥].

وقوله: (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ) أي: يتهمون الله في حكمه، ويظنون بالرسول وأصحابه أن يقتلوا ويذهبوا بالكلية؛ ولهذا قال: (عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ) أي: أبعدهم من رحمته (وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا).

ثم قال مؤكدا لقدرته على الانتقام من الأعداء -أعداء الإسلام من الكفرة والمنافقين-: (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا).

﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٨) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا (٩)

يقول تعالى لنبيه محمد -صلوات الله وسلامه عليه (١) (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا) أي: على الخلق، (وَمُبَشِّرًا) أي: للمؤمنين، (وَنَذِيرًا) أي: للكافرين. وقد تقدم تفسيرها في سورة "الأحزاب" (٢).

(لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ)، قال ابن عباس وغير واحد: يعظموه، (وَتُوَقِّرُوهُ) من التوقير وهو الاحترام والإجلال والإعظام، (وَتُسَبِّحُوهُ) أي: يسبحون الله، (بُكْرَةً وَأَصِيلا) أي: أول النهار وآخره.

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (١٠)

ثم قال تعالى لرسوله تشريفا له وتعظيما وتكريما: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ) كقوله: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء: ٨٠]، (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) أي: هو حاضر معهم يسمع أقوالهم ويرى مكانهم، ويعلم ضمائرهم وظواهرهم، فهو تعالى هو المبايع بواسطة رسوله


(١) في ت، م: "".
(٢) عند الآية الخامسة والأربعين.