للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يقول تعالى مخبرا رسوله (١) -صلوات الله وسلامه عليه (٢) -بما يعتذر به المخلفون من الأعراب الذين اختاروا المقام في أهليهم وشغلهم (٣)، وتركوا المسير مع رسول الله ، فاعتذروا بشغلهم بذلك، وسألوا أن يستغفر لهم الرسول (٤) ، وذلك قول منهم لا على سبيل الاعتقاد، بل على وجه التقية والمصانعة؛ ولهذا قال تعالى: (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا) أي: لا يقدر أحد أن يرد ما أراده فيكم تعالى وتقدس، وهو العليم بسرائركم وضمائركم، وإن صانعتمونا وتابعتمونا (٥)؛ ولهذا قال: (بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا).

ثم قال: (بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا) أي: لم يكن تخلفكم تخلف معذور ولا عاص، بل تخلف نفاق، (بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا) أي: اعتقدتم أنهم يقتلون وتستأصل شأفتهم وتستباد خضراؤهم، ولا يرجع منهم مخبر، (وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا) أي: هلكى. قاله ابن عباس، ومجاهد، وغير واحد. وقال قتادة: فاسدين. وقيل: هي بلغة عمان.

ثم قال: (وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) أي: من لم يخلص العمل في الظاهر والباطن لله، فإن الله تعالى سيعذبه في السعير، وإن أظهر للناس ما يعتقدون خلاف ما هو عليه في نفس الأمر.

ثم بين تعالى أنه الحاكم المالك المتصرف في أهل السموات والأرض: (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) أي: لمن تاب إليه وأناب، وخضع لديه.

﴿سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلا قَلِيلا (١٥)

يقول تعالى مخبرًا عن الأعراب الذين تخلفوا عن النبي في غزوة (٦) الحديبية، إذ ذهب النبي وأصحابه إلى خيبر يفتتحونها: أنهم يسألون أن يخرجوا معهم إلى المغنم، وقد تخلفوا عن وقت محاربة الأعداء ومجالدتهم ومصابرتهم، فأمر الله رسوله ألا يأذن لهم في ذلك، معاقبة لهم من جنس ذنبهم. فإن الله تعالى وعد أهل الحديبية بمغانم خيبر وحدهم لا يشركهم فيها غيرهم من الأعراب المتخلفين، فلا (٧) يقع غير ذلك شرعا وقدرا؛ ولهذا قال: (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ)

قال مجاهد، وقتادة، وجويبر: وهو الوعد الذي وعد به أهل الحديبية. واختاره ابن جرير (٨).


(١) في ت، م: "لرسوله".
(٢) في ت: "".
(٣) في ت، أ: "والشغل بهم".
(٤) في م: "رسول الله".
(٥) في ت: "أو نافقتمونا".
(٦) في ت، م، أ: "عمرة".
(٧) في ت: "ولا".
(٨) تفسير الطبري (٢٦/ ٥٠).