للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قالت: فرفع رأسه فقال: يا بنية، ليس كذلك ولكن كما قال تعالى: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ).

وحدثنا (١) خلف بن هشام؛ حدثنا أبو شهاب [الخياط] (٢)، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن البهي قال: لما أن ثقل أبو بكر (٣)، ، جاءت عائشة، ، فتمثلت بهذا البيت:

لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى … إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر (٤)

فكشف عن وجهه وقال: ليس كذلك، ولكن قولي: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) وقد أوردت لهذا الأثر طرقا [كثيرة] (٥) في سيرة الصديق عند ذكر وفاته، .

وقد ثبت في الصحيح عن النبي : لما تغشاه الموت جعل يمسح العرق عن وجهه ويقول: "سبحان الله! إن للموت لسكرات". وفي قوله: (ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) قولان:

أحدهما: أن "ما" هاهنا موصولة، أي: الذي كنت منه تحيد -بمعنى: تبتعد وتنأى وتفر-قد حل بك ونزل بساحتك.

والقول الثاني: أن "ما" نافية بمعنى: ذلك ما كنت تقدر على الفرار منه ولا الحيد عنه.

وقد قال الطبراني في المعجم الكبير: حدثنا محمد بن علي الصائغ المكي، حدثنا حفص بن عمر الحدي، حدثنا معاذ بن محمد الهُذَلي، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، عن سَمُرة قال: قال رسول الله : "مثل الذي يفر من الموت مثل الثعلب، تطلبه الأرض بدَيْن، فجاء يسعى حتى إذا أعيى وأسهر دخل جحره، فقالت له الأرض: يا ثعلب، ديني. فخرج وله حصاص، فلم يزل كذلك حتى تقطعت عنقه ومات" (٦).

ومضمون هذا المثل: كما لا انفكاك له ولا محيد عن الأرض كذلك الإنسان لا محيد له عن الموت.

وقوله: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ). قد تقدم الكلام على حديث النفخ في الصور والفزع والصعق والبعث (٧)، وذلك يوم القيامة. وفي الحديث أن رسول الله قال: "كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته، وانتظر أن يؤذن له". قالوا: يا رسول الله كيف نقول؟ قال: "قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل". فقال القوم: حسبنا الله ونعم الوكيل.


(١) في أ: "وحديث".
(٢) زيادة من م، أ.
(٣) في م: "أبا بكر".
(٤) البيت لحاتم الطائي وهو في ديوانه ص (٥٠) أ. هـ مستفادا من طبعة الشعب.
(٥) زيادة من م، أ.
(٦) المعجم الكبير (٧/ ٢٢٢) وقال الهيثمي في المجمع (٢/ ٣٢٠): "فيه معاذ بن محمد الهذلي، قال العقيلي: لا يتابع على رفع حديثه".
(٧) في م: "للفزع وللصعق وللبعث".