للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ) أي: تلك إعادة سهلة علينا، يسيرة لدينا، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾ [القمر: ٥٠]، وقال تعالى: ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [لقمان: ٢٨].

وقوله: (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ) أي: نحن علمنا محيط بما يقول لك المشركون من التكذيب فلا يهيدنك ذلك، كقوله [تعالى] (١): ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر: ٩٧ - ٩٩].

وقوله: (وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) أي: ولست بالذي تجبر هؤلاء على الهدى، وليس ذلك ما كلفت به.

وقال مجاهد، وقتادة، والضحاك: (وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) أي: لا تتجبر عليهم.

والقول الأول أولى، ولو أراد ما قالوه لقال: ولا تكن جبارًا عليهم، وإنما قال: (وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) بمعنى: وما أنت بمجبرهم على الإيمان إنما أنت مبلغ.

قال الفراء: سمعت العرب تقول: جبر فلان فلانا على كذا (٢)، بمعنى أجبره (٣).

ثم قال تعالى: (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ) أي: بلغ أنت رسالة ربك، فإنما (٤) يتذكر من يخاف الله ووعيده ويرجو وعده، كقوله [تعالى] (٥): ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ﴾ [الرعد: ٤٠]، وقوله: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾ [الغاشية: ٢١، ٢٢]، ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٧٢]، ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القصص: ٥٦]، ولهذا قال هاهنا: (وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ) كان قتادة يقول: اللهم، اجعلنا ممن يخاف وعيدك، ويرجو موعودك، يا بار، يا رحيم.

آخر تفسير سورة (ق)، والحمد لله وحده، وحسبنا الله ونعم الوكيل


(١) زيادة من م.
(٢) في م: "جبر فلان على فلان كذا".
(٣) انظر تفسير الطبري (٢٦/ ١١٥).
(٤) في م: "فأما".
(٥) زيادة من م.