للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال الإمام أحمد:

حدثنا يزيد، حدثنا حماد بن سلمة، عن عاصم بن أبي النَّجُود، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "إن الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول: يا رب، أنى لي هذه؟ فيقول: باستغفار ولدك لك" (١).

إسناده (٢) صحيح، ولم يخرجوه من هذا الوجه، ولكن له شاهد في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، عن رسول الله : "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" (٣)

وقوله: (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) لما أخبر عن مقام الفضل، وهو رفع درجة الذرية إلى منزلة الآباء من غير عمل يقتضي ذلك، أخبر عن مقام العدل، وهو أنه لا يؤاخذ أحدا بذنب أحد، بل (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) أي: مرتهن بعمله، لا يحمل عليه ذنب غيره من الناس، سواء كان أبا أو ابنا، كما قال: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ﴾ [المدثر: ٣٨ - ٤١].

وقوله: (وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) أي: وألحقناهم بفواكه ولحوم من أنواع شتى، مما يستطاب ويشتهى.

وقوله (يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا) أي: يتعاطون فيها كأسا، أي: من الخمر. قاله الضحاك. (لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ) أي: لا يتكلمون عنها (٤) بكلام لاغ أي: هَذَيَان ولا إثم أي: فُحْش، كما تتكلم به الشربة من أهل الدنيا.

وقال ابن عباس: اللغو: الباطل. والتأثيم: الكذب.

وقال مجاهد: لا يستبون ولا يؤثمون.

وقال قتادة: كان ذلك في الدنيا مع الشيطان.

فنزه الله خمر الآخرة عن قاذورات خمر الدنيا وأذاها، فنفى عنها -كما تقدم-صداع الرأس، ووجع البطن، وإزالة العقل بالكلية، وأخبر أنها لا تحملهم على الكلام السيئ الفارغ عن الفائدة المتضمن هَذَيَانا وفُحشا، وأخبر بحسن منظرها، وطيب طعمها ومخبرها فقال: ﴿بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ * لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ﴾ [الصافات: ٤٦، ٤٧]، وقال ﴿لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ﴾ [الواقعة: ١٩]، وقال هاهنا: (يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ)


(١) المسند (٢/ ٥٠٩).
(٢) في م: "إسناد".
(٣) صحيح مسلم برقم (١٦٣١).
(٤) في م: "فيها".