للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال: رأى رسول الله جبريل في صورته وله ستمائة جناح، كل جناح منها قد سَدّ الأفق، يسقط من جناحه من التهاويل والدر والياقوت ما الله به عليم (١). انفرد به أحمد (٢).

وقال أحمد: حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن إدريس بن مُنَبِّه، عن وهب بن منبه، عن ابن عباس قال: سأل النبي جبريل أن يراه في صورته، فقال: ادع ربك. فدعا ربه، ﷿، فطلع عليه سواد من قبل المشرق، فجعل يرتفع وينتشر، فلما رآه النبي صعِق، فأتاه فَنَعَشَه ومسح البزاق عن شِدْقه.

انفرد به أحمد (٣). وقد رواه ابن عساكر في ترجمة "عتبة بن أبي لهب"، من طريق محمد بن إسحاق، عن عثمان بن عروة بن الزبير، عن أبيه، عن هَبَّار بن الأسود قال: كان أبو لهب وابنه عتبة قد تجهزا إلى الشام، فتجهزت معهما، فقال ابنه عتبة: والله لأنطلقن إلى محمد ولأوذينه في ربه، سبحانه، فانطلق حتى أتى النبي ، فقال: يا محمد، هو يكفر بالذي دنى فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى. فقال النبي : "اللهم ابعث إليه كلبا من كلابك". ثم انصرف عنه فرجع إلى أبيه فقال: يا بني، ما قلت له؟ فذكر له ما قال له، قال: فما قال لك؟ قال: قال: "اللهم سلط عليه كلبا من كلابك" قال: يا بني، والله ما آمنُ عليك دُعاءه. فسرنا حتى نزلنا الشراة، وهي مأْسَدَة، ونزلنا إلى صَوْمَعة راهب، فقال الراهب: يا معشر العرب، ما أنزلكم هذه البلاد فإنها تسرح الأسْدُ فيها كما تسرح الغنم؟ فقال لنا أبو لهب: إنكم قد عرفتم كبر سني وحقي، وإن هذا الرجل قد دعا على ابني دعوةً -والله-ما آمنها عليه، فاجمعوا متاعكم إلى هذه الصومعة، وافرشوا لابني عليها، ثم افرشوا حولها. ففعلنا، فجاء الأسد فَشَمّ وجوهنا، فلما لم يجد ما يريد تَقَبّض، فوثب، فإذا هو فوق المتاع، فشم وجهه ثم هزمه هَزْمة فَفَضخ رأسه. فقال أبو لهب: قد عرفت أنه لا ينفلت عن دعوة محمد (٤).

وقوله: (فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى) أي: فاقترب جبريل إلى محمد لما هبط عليه إلى الأرض، حتى كان بينه وبين محمد قاب قوسين أي: بقدرهما إذا مُدّا. قاله (٥) مجاهد، وقتادة.

وقد قيل: إن المراد بذلك بُعدُ ما بين وتر القوس إلى كبدها.

وقوله: (أَوْ أَدْنَى) قد تقدم أن هذه الصيغة تستعمل في اللغة لإثبات المخبر عنه ونفي ما زاد عليه، كقوله: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ [البقرة: ٧٤]، أي: ما هي بألين من الحجارة، بل هي مثلها أو تزيد عليها في الشدة والقسوة. وكذا قوله: ﴿يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً﴾ [النساء: ٧٧]، وقوله: ﴿وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ﴾ [الصافات: ١٤٧]،


(١) في أ: "أعلم".
(٢) المسند (١/ ٣٩٥).
(٣) المسند (١/ ٣٢٢).
(٤) لم أجد ترجمة عتبة بن أبي لهب في تاريخ دمشق المخطوط ولا في مختصره لابن منظور.
(٥) في م: "قال".