للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال ابن إسحاق: وكان ذو الكَعَبَات لبكر وتغلب ابني وائل، وإياد بِسَنْداد وله يقول أعشى بن قيس بن ثعلبة:

بَيْنَ الخَوَرْنَق والسَّدير وَبَارقٍ … والبيت ذو الكَعَبَات من سَنْدَاد (١)

ولهذا قال [تعالى] (٢): (أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخْرَى)؟.

ثم قال: (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأنْثَى)؟ أي: أتجعلون له ولدا، وتجعلون ولده أنثى، وتختارون لأنفسكم الذكور، فلو اقتسمتم أنتم ومخلوق مثلكم هذه القسمة لكانت (قِسْمَةٌ ضِيزَى) أي: جورا باطلة، فكيف تقاسمون ربكم هذه القسمة التي لو كانت بين مخلوقين كانت جورا وسفها.

ثم قال منكرا عليهم فيما ابتدعوه وأحدثوه من الكذب والافتراء والكفر، من عبادة الأصنام وتسميتها آلهة: (إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ) أي: من تلقاء أنفسكم (مَا أَنزلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ) أي: من حجة، (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأنْفُسُ) أي: ليس لهم مستند إلا حسن ظنهم بآبائهم الذين سلكوا هذا المسلك الباطل قبلهم، وإلا حظ نفوسهم في رياستهم وتعظيم آبائهم الأقدمين، (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى) أي: ولقد أرسل الله إليهم الرسل بالحق المنير والحجة القاطعة، ومع هذا ما اتبعوا ما جاؤوهم به، ولا انقادوا له.

ثم قال: (أَمْ لِلإنْسَانِ مَا تَمَنَّى) أي: ليس كل من تمنى خيرا حصل له، ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ [النساء: ١٢٣]، ما كل من زعم أنه مهتد يكون كما قال، ولا كل من ود (٣) شيئا يحصل له.

قال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق، حدثنا أبو عَوَانة، عن عمر (٤) بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "إذا تمنى أحدكم فلينظر ما يتمنى، فإنه لا يدري ما يكتب له من أمنيته". تفرد به أحمد (٥).

وقوله: (فَلِلَّهِ الآخِرَةُ وَالأولَى) أي: إنما الأمر كله لله، مالك الدنيا والآخرة، والمتصرف في الدنيا والآخرة، فهو الذي ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.

وقوله: (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى)، كقوله: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة: ٢٥٥]، ﴿وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ [سبأ: ٢٣]، فإذا كان هذا في حق الملائكة المقربين، فكيف ترجون أيها الجاهلون شفاعة هذه الأصنام والأنداد عند الله، وهو لم يشرع عبادتها ولا أذن فيها، بل قد نهى عنها على ألسنة جميع رسله، وأنزل بالنهي عن ذلك جميع كتبه؟.


(١) انظر السيرة النبوية لابن هشام (١/ ٨٧، ٨٨).
(٢) زيادة من م.
(٣) في م: "رد".
(٤) في أ: "عمرو".
(٥) المسند (١/ ٣٥٧) وقال الهيثمي في المجمع (١٠/ ١٥١): "رجاله رجال الصحيح".