للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في صفاء الدهن. وقال [أبو صالح] (١) بن جريج: تصير السماء كالدهن الذائب، وذلك حين يُصيبها حر جهنم.

وقوله: (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ)، وهذه كقوله: ﴿هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ * وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾ [المرسلات: ٣٥، ٣٦]، فهذا في حال، وثَمّ حال يسأل الخلائق فيها عن جميع أعمالهم، قال الله تعالى: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الحجر: ٩٢، ٩٣]؛ ولهذه قال قتادة: (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ)، قال: قد كانت مسألة، ثم ختم على أفواه القوم، وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون.

قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: لا يسألهم: هل عملتم كذا وكذا؟ لأنه أعلم بذلك منهم، ولكن يقول: لم عملتم كذا وكذا؟ فهو قول ثان.

وقال مجاهد في هذه الآية: لا يسأل الملائكة عن المجرم، يُعْرَفُون بسيماهم.

وهذا قول (٢) ثالث. وكأن هذا بعد ما يؤمر بهم إلى النار، فذلك الوقت لا يسألون عن ذنوبهم، بل يقادون إليها (٣) ويلقون فيها.

﴿يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ (٤١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٢) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (٤٣) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٥)﴾.

كما قال تعالى: (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ) أي: بعلامات تظهر عليهم.

وقال الحسن وقتادة: يعرفونهم باسوداد الوجوه وزرقة العيون.

قلت: وهذا كما يعرف المؤمنون بالغرة والتحجيل من آثار الوضوء.

وقوله: (فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأقْدَامِ) أي: تجمع الزبانية ناصيته مع قدميه، ويلقونه في النار كذلك.

وقال الأعمش عن ابن عباس: يؤخذ بناصيته وقدمه (٤)، فيكسر كما يكسر الحطب في التنور.

وقال الضحاك: يجمع بين ناصيته وقدميه (٥) في سلسلة من وراء ظهره.

وقال السدي: يجمع بين ناصية الكافر وقدميه، فتربط ناصيته بقدمه، ويُفتل ظهره.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع، حدثنا معاوية بن سلام، عن أخيه زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام -يعني جده-أخبرني عبد الرحمن، حدثني رجل من كندة قال: أتيت عائشة فدخلت عليها، وبيني وبينها حجاب، فقلت: حدثك رسول الله أنه يأتي عليه ساعة لا يملك لأحد فيها شفاعة؟ قالت: نعم، لقد سألته عن هذا وأنا وهو في شِعَار واحد، قال: "نعم حين يوضع الصراط، ولا أملك لأحد فيها شفاعة، حتى أعلم أين يسلك بي؟ ويوم تبيض وجوه وتسود وجوه، حتى أنظر ماذا يفعل بي -أو قال: يوحى-وعند الجسر حين يستحد ويستحر" فقالت: وما يستحد وما يستحر؟ قال: "يستحد حتى يكون مثل شفرة السيف، ويستحر حتى يكون


(١) زيادة من أ.
(٢) في م: "جواب".
(٣) في م: "إلى النار".
(٤) في أ: "قدميه".
(٥) في أ: "قدمه".