للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تُغَيِّرُهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرْضِ} ، فمن سره أن يعود الملح عذاب فَلْيُصَعِّدْهُ.

وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعَامِرٌ الشَّعْبِيُّ: أَنَّ كُلَّ مَاءٍ فِي الْأَرْضِ فَأَصْلُهُ مِنَ السَّمَاءِ.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَصْلُهُ مِنَ الثَّلْجِ يَعْنِي: أَنَّ الثَّلْجَ يَتَرَاكَمُ عَلَى الْجِبَالِ، فَيَسْكُنُ فِي قَرَارِهَا، فَتَنْبُعُ الْعُيُونُ مِنْ أَسَافِلِهَا.

وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ} أَيْ: ثُمَّ يُخْرِجُ بِالْمَاءِ النَّازِلِ مِنَ السَّمَاءِ وَالنَّابِعِ مِنَ الْأَرْضِ زَرْعًا {مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ} أَيْ: أَشْكَالُهُ وَطُعُومُهُ وَرَوَائِحُهُ وَمَنَافِعُهُ، {ثُمَّ يَهِيجُ} أَيْ: بَعْدَ نَضَارَتِهِ وَشَبَابِهِ يَكْتَهِلُ (١) {فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا} ، قَدْ خَالَطَهُ اليُبْس، {ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا} أَيْ: ثُمَّ يَعُودُ يَابِسًا يَتَحَطَّمُ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأولِي الألْبَابِ} أَيِ: الَّذِينَ يَتَذَكَّرُونَ بِهَذَا فَيَعْتَبِرُونَ إِلَى أَنَّ الدُّنْيَا هَكَذَا، تَكُونُ خَضرةً نَضِرَةً حَسْنَاءَ، ثُمَّ تَعُودُ عَجُوزا شَوْهَاءَ، وَالشَّابُّ يَعُودُ شَيْخًا هَرِما كَبِيرًا ضَعِيفًا [قَدْ خَالَطَهُ الْيُبْسُ] (٢) ، وَبَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ الْمَوْتُ. فَالسَّعِيدُ مَنْ كَانَ حَالُهُ بَعْدَهُ إِلَى خَيْرٍ، وَكَثِيرًا مَا يَضْرِبُ اللَّهُ تَعَالَى مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا بِمَا يُنَزِّلُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ، وَيُنْبِتُ بِهِ زُرُوعًا وَثِمَارًا، ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ حُطاما، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا} [الْكَهْفِ:٤٥] .

وَقَوْلُهُ: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} أَيْ: هَلْ يَسْتَوِي هَذَا وَمَنْ هُوَ قَاسِي الْقَلْبِ بِعِيدٌ مِنَ الْحَقِّ؟! كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الْأَنْعَامِ:١٢٢] ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} أَيْ: فَلَا تَلِينُ عِنْدَ ذِكْرِهِ (٣) ، وَلَا تَخْشَعُ وَلَا تَعِي وَلَا تَفْهَمُ، {أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}

{اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (٢٣) }

هَذَا مَدْحٌ مِنَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-لِكِتَابِهِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ الْمُنَزَّلِ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي الْقُرْآنُ كُلُّهُ مُتَشَابِهٌ مَثَانِي.

وَقَالَ قَتَادَةُ: الْآيَةُ تُشْبِهُ الْآيَةَ، وَالْحَرْفُ يُشْبِهُ الْحَرْفَ.

وَقَالَ الضَّحَّاكُ: {مَثَانِيَ} تَرْدِيدُ الْقَوْلِ لِيَفْهَمُوا عَنْ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ.

وَقَالَ عِكْرِمَةُ، وَالْحَسَنُ: ثنَّى اللَّهُ فِيهِ الْقَضَاءَ -زَادَ الْحَسَنُ: تَكُونُ السُّورَةُ فِيهَا آيَةٌ، وَفِي السُّورَةِ الْأُخْرَى آيَةٌ تُشْبِهُهَا.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: {مَثَانِيَ} مُرَدَّد، رُدِّد موسى في القرآن، وصالح وهود


(١) في ت، أ: "يتكهل".
(٢) زيادة من ت، أ.
(٣) في ت، أ: "ذكر الله".

<<  <  ج: ص:  >  >>