للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كرهَج الغبار يسطع ثم يذهب، فلا يبقى منه شيء.

وقال العَوْفِيّ عن ابن عباس في قوله: (فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا): الهباء الذي يطير من النار، إذا اضطرمت (١) يطير منه الشرر، فإذا وقع لم يكن شيئا.

وقال عكرمة: المنبث: الذي ذرته الريح وبثته. وقال قتادة: (هَبَاءً مُنْبَثًّا) كيبيس الشجر الذي تذروه (٢) الرياح.

وهذه الآية كأخواتها الدالة على زوال الجبال عن أماكنها يوم القيامة، وذهابها وتسييرها ونسفها -أي قلعها-وصيرورتها كالعهن المنفوش.

وقوله: (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً) أي: ينقسم الناس يوم القيامة إلى ثلاثة أصناف: قوم عن يمين العرش، وهم الذين خرجوا من شق آدم الأيمن، ويؤتون كتبهم بأيمانهم، ويؤخذ بهم ذات اليمين. قال السُّدِّيّ: وهم جمهور أهل الجنة. وآخرون عن يسار العرش، وهم الذين خرجوا من شق آدم الأيسر، ويؤتون كتبهم بشمائلهم، ويؤخذ بهم ذات الشمال، وهم عامة أهل النار -عياذًا بالله من صنيعهم-وطائفة سابقون بين يديه وهم أخص وأحظى وأقرب من أصحاب اليمين الذين هم سادتهم، فيهم الرسل والأنبياء والصديقون والشهداء، وهم أقل عددا من أصحاب اليمين؛ ولهذا قال: (فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) وهكذا قسمهم إلى هذه الأنواع الثلاثة في آخر السورة وقت احتضارهم، وهكذا ذكرهم في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ الآية [فاطر: ٣٢]، وذلك على أحد القولين في الظالم لنفسه كما تقدم بيانه.

قال سفيان الثوري، عن جابر الجعفي، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله: (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً) قال: هي التي في سورة الملائكة: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ﴾.

وقال ابن جُرَيْج عن ابن عباس: هذه الأزواج الثلاثة هم المذكورون في آخر السورة وفي سورة الملائكة.

وقال يزيد الرقاشي: سألت ابن عباس عن قوله: (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً) قال: أصنافا ثلاثة.

وقال (٣) مجاهد: (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً) [قال] (٤): يعني: فرقا ثلاثة. وقال ميمون بن مِهْران: أفواجا ثلاثة. وقال عُبَيد الله (٥) العتكي، عن عثمان بن سراقة ابن خالة عمر بن الخطاب: (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً) اثنان في الجنة، وواحد في النار.


(١) في م: "اضطربت".
(٢) في م: "تذراه".
(٣) في أ: "عن".
(٤) زيادة من م.
(٥) في أ: "عبد الله".