للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وحدثنا أبي، حدثنا عبد العزيز بن المغيرة المَنْقَري، حدثنا أبو هلال، عن محمد بن سيرين، أنه قال في هذه الآية: (ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ) قال: كانوا يقولون، أو يرجون، أن يكونوا كلهم من هذه الأمة. فهذا قول الحسن وابن سيرين أن الجميع من هذه الأمة. ولا شك أن أول كل أمة خير من آخرها، فيحتمل أن يعم الأمر (١) جميع الأمم كل أمة بحسبها؛ ولهذا ثبت في الصحاح وغيرها، من غير وجه، أن رسول الله قال: "خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" (٢) الحديث بتمامه.

فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن، حدثنا زياد أبو عمر، عن الحسن، عن عمار بن ياسر، قال: قال رسول الله : "مثل أمتي مثل المطر، لا يدرى أوله خير أم آخره" (٣)، فهذا الحديث، بعد الحكم بصحة إسناده، محمول على أن الدين كما هو محتاج إلى أول الأمة في إبلاغه إلى من بعدهم، كذلك هو محتاج إلى القائمين به في أواخرها، وتثبيت الناس على السنة وروايتها وإظهارها، والفضل للمتقدم. وكذلك الزرع الذي يحتاج (٤) إلى المطر الأول وإلى المطر الثاني، ولكن العمدة الكبرى على الأول، واحتياج الزرع إليه آكد، فإنه لولاه ما نبت في الأرض، ولا تعلق أساسه فيها؛ ولهذا قال، : "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، إلى قيام الساعة". وفي لفظ: "حتى يأتي أمر الله وهم كذلك". والغرض أن هذه الأمة أشرف من سائر الأمم، والمقربون فيها أكثر من غيرها وأعلى منزلة؛ لشرف دينها وعظم نبيها. ولهذا ثبت بالتواتر عن رسول الله أنه أخبر أن في هذه الأمة سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب. وفي لفظ: "مع كل ألف سبعون ألفا". وفي آخر (٥) مع كل واحد سبعون ألفا".

وقد قال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا هشام (٦) بن مرثد (٧) الطبراني، حدثنا محمد -هو ابن إسماعيل بن عياش-حدثني أبي، حدثني ضَمْضَم -يعني ابن زُرْعَة-عن شريح -هو ابن عبيد-عن أبي مالك، قال: قال رسول الله : "أما والذي نفسي بيده، ليبعثن منكم يوم القيامة مثل الليل الأسود زمرة جميعها يحيطون الأرض، تقول الملائكة لما جاء مع محمد أكثر مما جاء مع الأنبياء، " (٨).

وحسن أن يذكر هاهنا [عند قوله: (ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ)] (٩) الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في "دلائل النبوة" حيث قال: أخبرنا أبو نصر بن قتادة، أخبرنا أبو عمرو بن مطر، حدثنا جعفر -[هو] (١٠) بن محمد بن المستفاض الفريابي -حدثني أبو وهب الوليد بن عبد


(١) في م: "الأمة".
(٢) رواه البخاري في صحيحه برقم (٣٦٥١) من حديث عبد الله بن مسعود .
(٣) المسند (٤/ ٣١٩).
(٤) في م: "هو محتاج".
(٥) في أ: "آخره".
(٦) في أ: "هاشم".
(٧) في هـ وبقية النسخ: "يزيد" والتصويب من المعجم الكبير.
(٨) المعجم الكبير (٣/ ٢٩٧) وفي إسناده محمد بن إسماعيل بن عياش وهو ضعيف لم يسمع من أبيه.
(٩) زيادة من أ.
(١٠) زيادة من أ.