للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كما قال: ﴿كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ﴾ [القيامة: ٢٦، ٣٠]؛ ولهذا قال هاهنا: (وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ) أي: إلى المحتضر وما يُكابده من سكرات الموت.

(وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ) أي: بملائكتنا (وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ) أي: ولكن لا ترونهم. كما قال في الآية الأخرى: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ﴾ [الأنعام: ٦١، ٦٢].

وقوله: (فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا): معناه: فهلا تَرجعُون هذه النفس التي قد بلغت الحلقوم إلى مكانها الأول (١)، ومقرها في الجسد إن كنتم غير مدينين.

قال ابن عباس: يعني محاسبين. ورُوي عن مجاهد، وعِكْرِمَة، والحسن، وقتادة، والضحاك، والسُّدِّيّ، وأبي حَزْرَة، مثله.

وقال سعيد بن جُبَيْر، والحسن البَصْرِي: (فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ) غير مصدقين أنكم تُدانون وتبعثون وتجزون، فردوا هذه النفس.

وعن مجاهد: (غَيْرَ مَدِينِينَ) غير موقنين.

وقال ميمون بن مِهْران: غير معذبين مقهورين.

﴿فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (٨٩) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (٩٠) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (٩١) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (٩٢) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (٩٣) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (٩٤) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (٩٥) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٩٦)﴾.

هذه الأحوال الثلاثة هي أحوال الناس عند احتضارهم: إما أن يكون من المقربين (٢)، أو يكون ممن دونهم من أصحاب اليمين. وإما أن يكون من المكذبين الضالين عن الهدى، الجاهلين بأمر الله؛ ولهذا قال تعالى: (فَأَمَّا إِنْ كَانَ) أي: المحتضر، (مِنَ الْمُقَرَّبِينَ)، وهم الذين فعلوا الواجبات والمستحبات، وتركوا المحرمات والمكروهات وبعض المباحات، (فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ) أي: فلهم روح وريحان، وتبشرهم الملائكة بذلك عند الموت، كما تقدم في حديث البراء: أن ملائكة الرحمة تقول: "أيتها الروح الطيبة في الجسد الطيب كنت تعمرينه، اخرجي إلى روح وريحان، ورب غير غضبان".

قال علي بن طلحة (٣)، عن ابن عباس: (فَرَوْحٌ) يقول: راحة وريحان، يقول: مستراحة.


(١) في م: "الأولى".
(٢) في أ: "المقربين العلية".
(٣) في م، أ: "علي بن أبي طلحة".