للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهَكَذَا نَصَرَ اللَّهُ [سُبْحَانَهُ] (١) نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ وَنَاوَأَهُ، وَكَذَّبَهُ وَعَادَاهُ، فَجَعَلَ كَلِمَتَهُ هِيَ الْعُلْيَا، وَدِينَهُ هُوَ الظَّاهِرَ عَلَى سَائِرِ الْأَدْيَانِ. وَأَمَرَهُ بِالْهِجْرَةِ مِنْ بَيْنِ ظَهْرَانَيْ قَوْمِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَجَعَلَ لَهُ فِيهَا أَنْصَارًا وَأَعْوَانًا، ثُمَّ مَنَحَهُ أَكْتَافَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَنَصْرَهُ عَلَيْهِمْ وَخَذَلَهُمْ لَهُ، وَقَتَلَ صَنَادِيدَهُمْ، وَأَسَرَ سَرَاتَهُمْ، فَاسْتَاقَهُمْ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ، ثُمَّ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِأَخْذِهِ الْفِدَاءَ مِنْهُمْ، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ فَتَحَ [عَلَيْهِ] (٢) مَكَّةَ، فَقَرَّتْ عَيْنُهُ بِبَلَدِهِ، وَهُوَ الْبَلَدُ الْمُحَرَّمُ الْحَرَامُ الْمُشَرَّفُ الْمُعَظَّمُ، فَأَنْقَذَهُ اللَّهُ بِهِ مِمَّا كَانَ فِيهِ مِنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ، وَفَتَحَ لَهُ الْيَمَنَ، وَدَانَتْ لَهُ جَزِيرَةُ (٣) الْعَرَبِ بِكَمَالِهَا، وَدَخَلَ النَّاسُ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا. ثُمَّ قَبَضَهُ اللَّهُ، تَعَالَى، إِلَيْهِ لِمَا لَهُ عِنْدَهُ مِنَ الْكَرَامَةِ الْعَظِيمَةِ، فَأَقَامَ اللَّهُ أَصْحَابَهُ خُلَفَاءَ بَعْدَهُ، فَبَلَّغُوا عَنْهُ دِينَ اللَّهِ، وَدَعَوْا عِبَادَ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ. وَفَتَحُوا الْبِلَادَ وَالرَّسَاتِيقَ وَالْأَقَالِيمَ وَالْمَدَائِنَ وَالْقُرَى وَالْقُلُوبَ، حَتَّى انْتَشَرَتِ الدَّعْوَةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا. ثُمَّ لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا مَنْصُورًا ظَاهِرًا إِلَى قِيَامِ (٤) السَّاعَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ} أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَكُونُ النُّصْرَةُ أَعْظَمَ وَأَكْبَرَ وَأَجَلَّ.

قَالَ مُجَاهِدٌ: الْأَشْهَادُ: الْمَلَائِكَةُ.

وَقَوْلُهُ: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ} بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: {وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ} .

وَقَرَأَ آخَرُونَ: "يَوْمُ" بِالرَّفْعِ، كَأَنَّهُ فَسَّرَهُ بِهِ {وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِين} ، وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ {مَعْذِرَتُهُم} أَيْ: لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ عُذْرٌ وَلَا فِدْيَةٌ، {وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ} أَيِ: الْإِبْعَادُ وَالطَّرْدُ مِنَ الرَّحْمَةِ، {وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} وَهِيَ النَّارُ. قَالَهُ السُّدِّيُّ، بِئْسَ الْمَنْزِلُ وَالْمَقِيلُ.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} أَيْ: سُوءُ الْعَاقِبَةِ.

وَقَوْلُهُ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى} وَهُوَ مَا بَعَثَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالنُّورِ، {وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ} أَيْ: جَعَلْنَا لَهُمُ الْعَاقِبَةَ، وَأَوْرَثْنَاهُمْ (٥) بِلَادَ فِرْعَوْنَ وَأَمْوَالَهُ وَحَوَاصِلَهُ وَأَرْضَهُ، بِمَا صَبَرُوا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَاتِّبَاعِ رَسُولِهِ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَفِي الْكِتَابِ الَّذِي أُورِثُوهُ -وَهُوَ التَّوْرَاةُ- {هُدًى وَذِكْرَى لأولِي الألْبَابِ} وَهِيَ: الْعُقُولُ الصَّحِيحَةُ السَّلِيمَةُ.

وَقَوْلُهُ: {فَاصْبِرْ} أَيْ: يَا مُحَمَّدُ، {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ} أَيْ: وَعَدْنَاكَ أَنَّا سَنُعْلِي كَلِمَتَكَ، وَنَجْعَلُ الْعَاقِبَةَ لَكَ وَلِمَنِ اتَّبَعَكَ، وَاللَّهُ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ. وَهَذَا الَّذِي أَخْبَرْنَاكَ بِهِ حَقٌّ لَا مِرْيَةَ فِيهِ وَلَا شَكَّ.

وَقَوْلُهُ: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} هَذَا تَهْيِيجٌ لِلْأُمَّةِ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ، {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ} أَيْ: فِي أَوَاخِرِ النَّهَارِ وَأَوَائِلِ اللَّيْلِ، {وَالإبْكَارِ} وَهِيَ أَوَائِلُ النَّهَارِ وَأَوَاخِرُ اللَّيْلِ.

وَقَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ} أَيْ: يَدْفَعُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ، وَيَرُدُّونَ الْحُجَجَ الصَّحِيحَةَ بِالشُّبَهِ الْفَاسِدَةِ بِلَا بُرْهَانٍ وَلَا حُجَّةٍ مِنَ اللَّهِ، {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ}


(١) زيادة من أ.
(٢) زيادة من ت، وفي أ: "عليهم".
(٣) في ت: "جزائر".
(٤) في ت: "يوم".
(٥) في ت: "وأورثنا بني إسرائيل".

<<  <  ج: ص:  >  >>