للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لقد بتنا ليلتنا هذه وَحْشَى ما لنا عشاء. قال: "اذهب إلى صاحب صدقة بني زُريق فقل له فليدفعها إليك، فأطعم عنك منها وسقًا من تمر ستين مسكينًا، ثم استعن بسائره عليك وعلى عيالك". قال: فرجعت إلى قومي فقلت: وجدت عندكم الضيقَ وسوءَ الرأي، ووجدت عند رسول الله السَّعَة والبركة، قد أمر لي بصدقتكم، فادفعوها إليَّ. فدفعوها إليَّ.

وهكذا رواه أبو داود، وابن ماجة، واختصره الترمذي وحَسَّنه (١)

وظاهر السياق: أن هذه القصة كانت بعد قصة أوس بن الصامت وزوجته خُويَلة بنت ثعلبة، كما دلّ عليه سياق تلك وهذه بعد التأمل.

قال خَصيف، عن مجاهد، عن ابن عباس: أول من ظاهر من امرأته أوس بن الصامت، أخو عبادة بن الصامت، وامرأته خولة بنت ثعلبة بن مالك، فلما ظاهر منها خَشِيت أن يكون ذلك طلاقًا، فأتت رسول الله فقالت: يا رسول الله، إن أوسًا ظاهر مني، وإنا إن افترقنا هلكنا، وقد نَثَرتُ بطني منه، وقَدمتْ صُحْبَتَهُ. وهي تشكو ذلك وتبكي، ولم يكن جاء في ذلك شيء. فأنزل الله: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ﴾ إلى قوله: (وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) فدعاه رسول الله فقال: "أتقدر على رقبة تعتقها؟ ". قال: لا والله يا رسول الله ما أقدر عليها؟ قال: فجمع له رسول الله ، حتى أعتق عنه، ثم راجع أهله رواه بن جرير (٢)

ولهذا ذهب ابنُ عباس والأكثرون إلى ما قلناه، والله أعلم.

فقوله تعالى: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ) أصل الظهار مشتق من الظهر، وذلك أن الجاهلية كانوا إذا تظاهر أحد من امرأته قال لها: أنت عليَّ كَظَهْرِ أمي، ثم في الشرع كان الظهار في سائر الأعضاء قياسًا على الظهر، وكان الظهار عند الجاهلية طلاقًا، فأرخص الله لهذه الأمة وجعل فيه كفارة، ولم يجعله طلاقًا كما كانوا يعتمدونه في جاهليتهم. هكذا قال غير واحد من السلف.

قال ابن جرير: حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن أبي حمزة، عن عِكْرمة، عن ابن عباس قال: كان الرجل إذا قال لامرأته في الجاهلية: أنت عليَّ كظهر أمي، حُرِّمت عليه، فكان أول من ظاهر في الإسلام أوس، وكان تحته ابنة عم له يقال لها: "خويلة بنت ثعلبة (٣). فظاهر منها، فأسقط في يديه، وقال: ما أراك إلا قد حَرُمت علي. وقالت له مثل ذلك، قال: فانطلقي إلى رسول الله . فأتت رسول الله فوجدت عنده ماشطة تمشط رأسه، فقال: "يا خويلة، ما أمرنا في أمرك بشيء (٤) فأنزل الله على رسوله ، فقال: " يا خويلة، أبشري" قالت: خيرًا. قال فقرأ عليها: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا﴾ إلى قوله: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا)


(١) المسند (٤/ ٣٧) وسنن أبي داود برقم (٢٢١٣) وسنن ابن ماجة برقم (٢٠٦٢) وسنن الترمذي برقم (٣٢٩٩).
(٢) تفسير الطبري (٢٨/ ٦).
(٣) في أ: "بنت خويلد" وهو خطأ.
(٤) في م: "ما أمرنا فيك بشيء".