للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وحَوّل الله الطلاق، فجعله ظهارًا.

ورواه ابن جرير، عن ابن المثنى، عن عبد الأعلى، عن داود، سمعت أبا العالية، فذكر نحوه، بأخصر من هذا السياق (١)

وقال سعيد بن جبير: كان الإيلاء والظهار من طلاق الجاهلية، فوقت الله الإيلاء أربعة أشهر، وجعل في الظهار الكفارة. رواه ابن أبي حاتم، بنحوه.

وقد استدل الإمام مالك على أن الكافر لا يدخل في هذه الآية بقوله: (مِنْكُمْ) فالخطاب للمؤمنين، وأجاب الجمهور بأن هذا خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له، واستدل الجمهور عليه بقوله: (مِنْ نِسَائِهِمْ) على أن الأمة لا ظهار منها، ولا تدخل في هذا الخطاب.

وقوله: (مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ) أي: لا تصير المرأة بقول الرجل: "أنت عليَّ كأمي" أو "مثل أمي" أو "كظهر أمي" (٢) وما أشبه ذلك، لا تصير أمه بذلك، إنما أمه التي ولدته؛ ولهذا قال: (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا) أي: كلامًا فاحشًا باطلا (وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) أي: عما كان منكم في حال الجاهلية. وهكذا أيضًا عما خرج من سبق اللسان، ولم يقصد إليه المتكلم، كما رواه أبو داود: أن رسول الله سمع رجلا يقول لامرأته: يا أختي. فقال: أختك هي؟ "، فهذا إنكار (٣) ولكن لم يحرمها عليه بمجرد ذلك؛ لأنه لم يقصده، ولو قصده لحرمت عليه؛ لأنه لا فرق على الصحيح بين الأم وبين غيرها من سائر المحارم من أخت وعمة وخالة وما أشبه ذلك.

وقوله: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا) اختلف السلف والأئمة في المراد بقوله: (ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا) فقال بعض الناس: العود هو أن يعود إلى لفظ الظهار فيكرره، وهذا القول باطل، وهو اختيار ابن حزم (٤) وقول داود، وحكاه أبو عمر بن عبد البر عن بُكَيْر ابن الأشج والفراء، وفرقة من أهل الكلام.

وقال الشافعي: هو أن يمسكها بعد الظهار زمانًا يمكنه أن يطلق فيه فلا يطلق.

وقال أحمد بن حنبل: هو أن يعود إلى الجماع أو يعزم عليه فلا تحل له حتى يكفر بهذه الكفارة. وقد حكي عن مالك: أنه العزم على الجماع أو الإمساك (٥) وعنه أنه الجماع.

وقال أبو حنيفة: هو أن يعود إلى الظهار بعد تحريمه، ورفع ما كان عليه أمر الجاهلية، فمتى تظاهر (٦) الرجل من امرأته فقد حرمها تحريمًا لا يرفعه إلا الكفارة. وإليه ذهب أصحابه، والليث بن سعد.


(١) تفسير الطبري (٢٨/ ٣).
(٢) في م: "كظهر أمي أو كأمي أو مثل أمي".
(٣) سنن أبي داود برقم (٢٢١٠) من حديث أبي تميمة الهجيمي، .
(٤) في هـ، أ: "ابن جرير" والمثبت من م. مستفادًا من هامش ط-الشعب.
(٥) في م: "أو الإمساك".
(٦) في م: "ظاهر".