للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (٢٥) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (٢٦) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (٢٧) ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (٢٨) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلانَا مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأسْفَلِينَ (٢٩) }

يَذْكُرُ تَعَالَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَضَلَّ الْمُشْرِكِينَ، وَأَنَّ ذَلِكَ بِمَشِيئَتِهِ وَكَوْنِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَهُوَ الْحَكِيمُ فِي أَفْعَالِهِ، بِمَا قَيَّض لَهُمْ مِنَ الْقُرَنَاءِ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ: {فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} أَيْ: حَسَّنوا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فِي الْمَاضِي، وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُسْتَقْبَلِ فَلَمْ يَرَوْا أَنْفُسَهُمْ إِلَّا مُحْسِنِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الزُّخْرُفِ: ٣٦، ٣٧] .

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} أَيْ: كَلِمَةُ الْعَذَابِ كَمَا حَقَّ عَلَى أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ، مِمَّنْ فَعَلَ كَفِعْلِهِمْ، مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، {إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} أَيِ: استوَوَا هُمْ وَإِيَّاهُمْ فِي الْخَسَارِ وَالدَّمَارِ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} أَيْ: تَوَاصَوْا فِيمَا بَيْنَهُمْ أَلَّا يُطِيعُوا لِلْقُرْآنِ، وَلَا يَنْقَادُوا لِأَوَامِرِهِ (١) ، {وَالْغَوْا فِيهِ} أَيْ: إِذَا تُلِيَ لَا تَسْمَعُوا لَهُ. كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ: {وَالْغَوْا فِيهِ} يَعْنِي: بِالْمُكَاءِ (٢) وَالصَّفِيرِ وَالتَّخْلِيطِ فِي الْمَنْطِقِ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قَرَأَ الْقُرْآنَ قُرَيْشٌ تَفْعَلُهُ.

وَقَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَالْغَوْا فِيهِ} عِيبُوهُ (٣) .

وَقَالَ قَتَادَةُ: اجْحَدُوا بِهِ، وَأَنْكِرُوهُ وَعَادُوهُ.

{لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} هَذَا حَالُ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةِ مِنَ الْكُفَّارِ، وَمَنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُمْ عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ. وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ-عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَقَالَ: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الْأَعْرَافِ: ٢٠٤] .

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: مُنْتَصِرًا لِلْقُرْآنِ، وَمُنْتَقِمًا مِمَّنْ عَادَاهُ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرَانِ: {فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا} أَيْ: فِي مُقَابَلَةِ مَا اعْتَمَدُوهُ فِي الْقُرْآنِ وَعِنْدَ سَمَاعِهِ، {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} أَيْ: بشَرِّ أَعْمَالِهِمْ وسيِّئ أَفْعَالِهِمْ {ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلانَا مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأسْفَلِينَ}

قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْل، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُصَيْنِ الفزاري، عن أبيه (٤) ، عن علي،


(١) في ت: "لأمره".
(٢) في ت، أ: "بالمكاء والتصدية".
(٣) في ت، س: "قعوا فيه، عيبوه".
(٤) في ت: "عن أبيه روى".

<<  <  ج: ص:  >  >>