للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٧)

يقول تعالى مبينًا لمال الفيء وما صفته؟ وما حكمه؟ فالفيء: كلّ مال أخذ من الكفار بغير (١) قتال ولا إيجاف خيل ولا ركاب، كأموال بني النضير هذه، فإنها مما لم يُوجف المسلمون عليه (٢) بخيل ولا ركاب، أي: لم يقاتلوا الأعداء فيها بالمبارزة والمصاولة، بل نزل أولئك من الرعب الذي ألقى الله في قلوبهم من هيبة رسول الله ، فأفاءه الله على رسوله؛ ولهذا تصرف فيه كما شاء، فردّه على المسلمين في وجوه البر والمصالح التي ذكرها الله، ﷿، في هذه الآيات، فقال: (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ) أي: من بني النضير (فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ) يعني: الإبل، (وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي: هو قدير لا يغالب ولا يمانع، بل هو القاهر لكل شيء.

ثم قال: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى) أي: جميع البلدان التي تُفتَح هكذا، فحكمها حكم أموال بني النضير؛ ولهذا قال: (فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ) إلى آخرها والتي بعدها. فهذه مصارفُ أموال الفيء ووجوهه.

قال الإمام أحمد: حدثنا سفيان، عن عمرو ومَعْمَر، عن الزهري، عن مالك بن أوس بن الحَدَثان، عن عمر، ، قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله إلى رسوله مما لم يُوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، فكانت لرسول الله خالصة (٣) فكان ينفق على أهله منها نفقة سنته (٤) -وقال مَرّة: قوت (٥) سنته-وما بقي جعله في الكُرَاع والسلاح في سبيل الله، ﷿.

هكذا أخرجه أحمد هاهنا مختصرًا، وقد أخرجه الجماعة في كتبهم -إلا ابن ماجة-من حديث سفيان، عن عمرو بن دينار، عن الزهري، به (٦) وقد رويناه مطولا فقال أبو داود، :

حدثنا الحسن بن علي ومحمد بن يحيى بن فارس -المعنى واحد-قالا حدثنا بشرِ بن عُمَر الزهراني، حدثني مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن مالك بن أوس قال: أرسل إليَّ عمر بن الخطاب، ، حين تعالى النهار، فجئته فوجدته جالسًا على سرير مُفضيًا إلى رُماله، فقال حين دخلت عليه: يا مال، إنه قد دَفّ أهل أبيات (٧) من قومك، وقد أمرت فيهم بشيء، فاقسم فيهم. قلت: لو أمرتَ غيري بذلك؟ فقال: خذه. فجاءه (٨) يرفا، فقال: يا أمير


(١) في م: "من غير".
(٢) في م: "عليه المسلمون".
(٣) في م: "خاصة".
(٤) في م: "سنة".
(٥) في أ: "مسيرة".
(٦) المسند (١/ ٢٥) وصحيح البخاري برقم (٤٨٨٥) وصحيح مسلم برقم (١٧٥٧) وسنن أبي داود برقم (٢٩٦٥) وسنن الترمذي برقم (١٧١٩) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١٥٧٥).
(٧) في أ: "أهل بنات".
(٨) في م: "فجاء".