للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تَصَدَّق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بُرِّه، من صاع تمره -حتى قال-: ولو بشق تمرة". قال: فجاء رجل من الأنصار بصُرة كادت كفه تَعجز عنها، بل قد عجزت، ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت رسول الله يتهلل وجهه كأنه مُذْهبة، فقال رسول الله : "مَن سَنَّ في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن يَنقُص من أجورهم شيء، ومن سَنَّ في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وِزْرُها ووزر من عمل بها، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء".

انفرد بإخراجه مسلم من حديث شعبه، بإسناد مثله (١).

فقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ) أمر بتقواه، وهي تشمل فعل ما به أمر، وترك ما عنه زجر.

وقوله: (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ) أي: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم، (وَاتَّقُوا اللَّهَ) تأكيد ثان، (إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) أي: اعلموا أنه عالم بجميع أعمالكم وأحوالكم (٢) لا تخفى عليه منكم خافية، ولا يغيب عنه من أموركم جليل ولا حقير.

وقال (٣) (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ) أي: لا تنسوا ذكر الله فينسيكم العمل لمصالح أنفسكم التي تنفعكم في معادكم، فإن الجزاء من جنس العمل؛ ولهذا قال: (أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) أي: الخارجون عن طاعة الله، الهالكون يوم القيامة، الخاسرون يوم معادهم، كما قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [المنافقون: ٩].

وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الحوطي، حدثنا [أبو] (٤) المغيرة، حدثنا حَريز بن عثمان، عن نعيم بن نَمحة قال: كان في خطبة أبي بكر الصديق، : أما تعلمون أنكم تغدون وتروحون لأجل معلوم؟ فمن استطاع أن يقضي الأجل وهو في عمل الله، ﷿، فليفعل، ولن تنالوا ذلك إلا بالله، ﷿. إن قومًا جعلوا آجالهم لغيرهم، فنهاكم الله أن تكونوا أمثالهم: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ) أين من تعرفون من إخوانكم؟ قدموا على ما قدموا في أيام سلفهم، وخلوا بالشقوة والسعادة، أين الجبارون الأولون الذين بنوا المدائن وحصنوها بالحوائط؟ قد صاروا تحت الصخر والآبار، هذا كتاب الله لا تفنى عجائبه فاستضيئوا منه ليوم ظلمة، [وائتضحوا بسنائه وبيانه] (٥) إن الله أثنى على زكريا وأهل بيته فقال: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾


(١) المسند (٤/ ٣٥٨) وصحيح مسلم برقم (١٠١٧).
(٢) في م: " وخفيها".
(٣) في م: "وقوله".
(٤) زيادة من المعجم الكبير للطبري.
(٥) زيادة من م، والمعجم الكبير.