للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأجاب الجمهور عن حديث ابن عباس بأن ذلك كان قضية عين يحتمل أنه لم تنقض عِدّتها منه؛ لأن الذي عليه الأكثرون أنها متى انقضت العدة ولم يسلم (١) انفسخَ نِكاحُها منه.

وقال آخرون: بل إذا انقضت العدة هي بالخيار، إن شاءت أقامت على النكاح واستمرت، وإن شاءت فسخته وذهبت فتزوجت، وحملوا عليه حديث ابن عباس، والله أعلم.

وقوله: (وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا) يعني: أزواج المهاجرات من المشركين، ادفعوا إليهم الذي غرموه عليهن من الأصدقة. قاله ابن عباس، ومجاهد وقتادة، والزهري، وغير واحد.

وقوله: (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) يعني: إذا أعطيتموهن أصدقتهن فانكحوهن، أي: تزوجوهن بشرطه من انقضاء العدة والولي وغير ذلك.

وقوله: (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) تحريم من الله، ﷿، على عباده المؤمنين نكاح المشركات، والاستمرار معهن.

وفي الصحيح، عن الزهري، عن عروة، عن المسور ومَرْوان بن الحكم: أن رسول الله لما عاهد كفار قريش يوم الحديبية جاء نساءٌ من المؤمنات، فأنزل الله ﷿: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ [فَامْتَحِنُوهُنَّ]) (٢) إلى قوله: (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) فطلق عمر بن الخطاب يومئذ امرأتين، تزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان، والأخرى صفوان بن أمية (٣).

وقال ابن ثور، عن مَعْمَر، عن الزهري: أنزلت هذه الآية على رسول الله ، وهو بأسفل الحديبية، حين صالحهم على أنه من أتاه منهم رده إليهم، فلما جاءه النساء نزلت هذه الآية، وأمره أن يرد الصداق إلى أزواجهن، وحكم على المشركين مثل ذلك إذا جاءتهم امرأة من المسلمين أن يردوا الصداق إلى زوجها، وقال: (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) وهكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وقال: وإنما حكم الله بينهم بذلك، لأجل ما كان بينهم وبينهم من العهد.

وقال محمد بن إسحاق، عن الزهري: طلق عمر يومئذ قريبة بنت أبي أمية بن المغيرة، فتزوجها معاوية، وأم كلثوم بنت عمرو بن جرول الخزاعية، وهي أم عُبَيد الله، فتزوجها أبو جهم ابن حذيفة بن غانم، رجل من قومه، وهما على شركهما، وطلق طلحةُ بن عبيد الله أروى بنتَ ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، فتزوجها بعده خالد بن سعيد بن العاص (٤).

وقوله: (وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا) أي: وطالبوا بما أنفقتم على أزواجكم اللاتي


(١) في م: "ولم تسلم".
(٢) زيادة من م.
(٣) صحيح البخاري برقم (٢٧٣١، ٢٧٣٢).
(٤) تفسير الطبري (٢٨/ ٤٧) مع اختلاف يسير.