للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يقتلن أولادهن". قالت هند: أنت قتلتهم يوم بدر، فأنت وهم أبصر. قال: (وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ) قال (وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ) قال: منعهن أن ينحن، وكان أهل الجاهلية يمزقن الثياب ويخدشن الوجوه، ويقطعن الشعور، ويدعون بالثبور. والثبور: الويل (١).

وهذا أثر غريب، وفي بعضه نكارة، والله أعلم؛ فإن أبا سفيان وامرأته لما أسلما لم يكن رسول الله يخيفهما، بل أظهر الصفاء والود له، وكذلك كان الأمر من جانبه، ، لهما.

وقال مقاتل بن حيان: أنزلت هذه الآية يوم الفتح، فبايع رسول الله الرجال على الصفا، وعمر يبايع النساء تحتها عن رسول الله ، فذكر بقيته كما تقدم وزاد: فلما قال: (وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ) قالت هند: ربيناهم صغارًا فقتلتموهم كبارا. فضحك عمر بن الخطاب حتى استلقى. رواه بن أبي حاتم.

وقال بن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا نصر بن علي، حدثتني غطبة بنت سليمان، حدثني عمتي، عن جدتها (٢) عن عائشة قالت: جاءت هند بنت عتبة إلى رسول الله لتبايعه، فنظر إلى يدها فقال: "اذهبي فغيري يدك". فذهبت فغيرتها بحناء، ثم جاءت فقال: "أبايعك على ألا تشركي بالله شيئا"، فبايعها وفي يدها سواران من ذهب، فقالت: ما تقول في هذين السوارين؟ فقال: "جمرتان من جمر جهنم" (٣).

فقوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ) أي: من جاءك منهن يبايع على هذه الشروط فبايعها، (عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ) أي: أموال الناس الأجانب، فأما إذا كان الزوج مقصرًا في نفقتها، فلها أن تأكل من ماله بالمعروف، ما جرت به عادة أمثالها، وإن كان بغير علمه، عملا بحديث هند بنت عتبة أنها قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شَحِيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني، فهل عليَّ جناح إن أخذت من ماله بغير علمه؟ فقال رسول الله : "خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك". أخرجاه في الصحيحين (٤).

وقوله: (وَلا يَزْنِينَ) كقوله: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا﴾ [الإسراء: ٣٢]. وفي حديث سَمُرة ذكرُ عقوبة الزناة بالعذاب الأليم في نار الجحيم (٥).

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا مَعْمَر، عن الزهري، عن عُرْوة، عن عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت عتبة تبايع النبي فأخذ عليها: (أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ) الآية، قالت: فوضعت يدها على رأسها حياء، فأعجبه ما رأى منها، فقالت عائشة:


(١) تفسير الطبري (٢٨/ ٥٢).
(٢) في أ: "حدثني عمي عن جدي".
(٣) ورواه أبو يعلى في المسند (٨/ ١٩٥) عن نصر بن على به نحو، وقال الهيثمي في المجمع (٦/ ٣٧): "فيه من لم أعرفهن".
(٤) صحيح البخاري برقم (٧١٨٠) وصحيح مسلم برقم (١٧١٤).
(٥) رواه الإمام أحمد في المسند (٥/ ١٥).