للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثُمَّ قَالَ: {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أَيْ: إِنَّمَا ذَلِكَ مِنَ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ الزَّائِلَةِ الْحَقِيرَةِ عِنْدَ اللَّهِ [تَعَالَى] (١) أَيْ: يُعَجِّلُ (٢) لَهُمْ بِحَسَنَاتِهِمُ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا فِي الدُّنْيَا مَآكِلَ وَمَشَارِبَ، لِيُوَافُوا الْآخِرَةَ وَلَيْسَ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنَةً يَجْزِيهِمْ بِهَا، كَمَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ (٣) . [وَقَدْ] (٤) وَرَدَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: "لَوْ أَنَّ الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، مَا سَقَى مِنْهَا كَافِرًا شَرْبَةَ مَاءٍ"، أَسْنَدَهُ الْبَغَوِيُّ مِنْ رِوَايَةِ زَكَرِيَّا بْنِ مَنْظُورٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ (٥) وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ عَدَلَتِ الدُّنْيَا جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، مَا أَعْطَى كَافِرًا مِنْهَا شَيْئًا". (٦)

ثُمَّ قَالَ: {وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} أَيْ: هِيَ لَهُمْ خَاصَّةً لَا يُشَارِكُهُمْ: فِيهَا [أَحَدٌ] (٧) غَيْرُهُمْ وَلِهَذَا لَمَّا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَعِدَ إِلَيْهِ فِي تِلْكَ الْمَشْرُبَةِ لَمَّا آلَى مِنْ نِسَائِهِ، فَرَآهُ [عُمَرُ] (٨) عَلَى رِمَالِ حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ بِجَنْبِهِ (٩) فَابْتَدَرَتْ عَيْنَاهُ بِالْبُكَاءِ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ وَأَنْتَ صَفْوَةُ اللَّهِ مِنْ خَلْقِهِ. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متكئا فجلس وقال: "أوَ في (١٠) شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ " ثُمَّ قَالَ: "أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا" وَفِي رِوَايَةٍ: "أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الْآخِرَةُ؟ " (١١)

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا وَغَيْرِهِمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الْآخِرَةِ". وَإِنَّمَا خَوَّلَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا لِحَقَارَتِهَا، كَمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، مَا سَقَى مِنْهَا كَافِرًا شَرْبَةَ مَاءٍ أَبَدًا"، قَالَ الترمذي: حسن صحيح (١٢) .


(١) زيادة من أ.
(٢) في ت: "يجعل".
(٣) رواه مسلم في صحيحه برقم (٢٨٠٨) مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
(٤) زيادة من م.
(٥) معالم التنزيل للبغوي (٧/٢١٣) .
(٦) المعجم الكبير (٦/١٧٨) وفي إسناده زمعة بن صالح وهو ضعيف.
(٧) زيادة من أ.
(٨) زيادة من أ.
(٩) في ت، م، أ: "بجلده".
(١٠) في ت: "أفي".
(١١) انظر تخريج هذا الحديث عند تفسير الآية: ١٣١ من سورة طه.
(١٢) سنن الترمذي برقم (٢٣٢٠) وسنن ابن ماجه برقم (٤١١٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>