للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

النفاق لرجوعهم عن الإيمان إلى الكفران، واستبدالهم الضلالة بالهدى (فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) أي: فلا يصل إلى قلوبهم هدى، ولا يخلص إليها خير، فلا تعي ولا تهتدي.

(وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) أي: كانوا أشكالا حسنة وذوي فصاحة وألسنة، إذا سمعهم السامع يصغي إلى قولهم (١) لبلاغتهم، وهم مع ذلك في غاية الضعف والخَور والهلع والجزع والجبن؛ ولهذا قال: (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) أي: كلما وقع أمر أو كائنة أو خوف، يعتقدون، لجبنهم، أنه نازل بهم، كما قال تعالى: ﴿أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ [الأحزاب: ١٩] فهم جَهَامات وصور بلا معاني. ولهذا قال: (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) أي: كيف يُصرَفون عن الهدى إلى الضلال.

وقد قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا عبد الملك بن قُدَامة الجُمَحي، عن إسحاق بن بكر (٢) بن أبي الفرات، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري. عن أبيه، عن أبي هريرة، ، عن النبي قال: "إن للمنافقين علامات يعرفون بها: تحيتهم لعنة، وطعامهم نُهبَة، وغنيمتهم غلول، ولا يقربون المساجد إلا هُجْرا ولا يأتون الصلاة إلا دُبْرا، مستكبرين لا يألَفون ولا يُؤلَفون، خُشُبٌ بالليل، صُخُب بالنهار". وقال يزيد مَرةً: سُخُبٌ بالنهار (٣)

﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٥) سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (٦) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (٧) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (٨)

يقول تعالى مخبرا عن المنافقين -عليهم لعائن الله-أنهم (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ) أي: صَدوا وأعرضوا عما قيل لهم، استكبارًا عن ذلك، واحتقارا لما قيل لهم ولهذا قال: (وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) ثم جازاهم على ذلك فقال: (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) كما قال في سورة "براءة" وقد تقدم الكلام على ذلك، وإيراد الأحاديث المروية هنالك.


(١) في م: "إلى قلوبهم".
(٢) في أ: "بكير".
(٣) المسند (٢/ ٢٩٣).