للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مثل ذلك، فقالت له، مثل ذلك، فذبح ابنها الآخر في فيها، فبشرها روحه أيضًا، وقال لها. اصبري يا أمه فإن لك عند الله من الثواب كذا وكذا. قال: وسمعت امرأة فرعون كلامَ روح ابنها الأكبر ثم الأصغر، فآمنت امرأةُ فرعونَ، وقبض الله روح امرأة خازن فرعون، وكشف الغطاء عن ثوبها ومنزلتها وكرامتها في الجنة لامرأة فرعون حتى رأت فازدادت إيمانًا ويقينًا وتصديقًا، فاطَّلع فرعون على إيمانها، فقال للملأ ما تعلمون من آسية بنت مزاحم؟ فأثنوا عليها، فقال لهم: إنها تعبد غيري. فقالوا له: اقتلها. فأوتد لها أوتادًا فشد يديها ورجليها، فدعت آسية ربها فقالت: (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ) فوافق ذلك أن حضرها، فرعون فضحكت حين رأت بيتها في الجنة، فقال فرعون: ألا تعجبون من جنونها، إنا نعذبها وهي تضحك، فقبض الله روحها، (١).

وقوله: (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا) أي حفظته وصانته. والإحصان: هو العفاف والحرية، (فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا) أي: بواسطة المَلَك، وهو جبريل، فإن الله بعثه إليها فتمثل لها في صورة بشر سَوي، وأمره الله تعالى أن ينفخ بفيه في جيب درعها، فنزلت النفخة فولجت في فرجها، فكان منه الحمل بعيسى، . ولهذا قال: (فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ) أي: بقدره وشرعه (وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ)

قال الإمام أحمد: حدثنا يونس، حدثنا داود بن أبي الفرات، عن عِلْباء، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس قال: خَطّ رسول الله في الأرض أربعة خطوط، وقال: "أتدرون ما هذا؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله : "أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم ابنة عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون" (٢).

وثبت في الصحيحين من حديث شعبة، عن عمرو بن مُرَة، عن مرة الهمداني، عن أبي موسى الأشعري، عن النبي أنه قال: "كَمُلَ من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران، وخديجة بنت خُوَيلد، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثَّرِيد على سائر الطعام" (٣).

وقد ذكرنا طرق هذه الأحاديث وألفاظها والكلام عليها في قصة عيسى ابن مريم، ، في كتابنا "البداية والنهاية" ولله الحمد والمنة (٤) وذكرنا ما ورد من الحديث من أنها تكون هي وآسية بنت مزاحم من أزواجه، ، في الجنة عند قوله: ﴿ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا﴾


(١) رواه الطبرى في تفسيره (٢٨/ ١٠).
(٢) المسند (١/ ٢٩٣) وقال الهيثمي في المجمع (٩/ ٢٢٣): "رجاله رجال الصحيح".
(٣) صحيح البخاري برقم (٥٤١٨) وصحيح مسلم برقم (٢٤٣١).
(٤) البداية والنهاية (٢/ ٥٥ - ٨٥).