للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ) أي: بل هو مصطحب مستو، ليس فيه اختلاف ولا تنافر ولا مخالفة، ولا نقص ولا عيب ولا خلل؛ ولهذا قال: (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ) أي: انظر إلى السماء فتأملها، هل ترى فيها عيبًا أو نقصًا أو خللا؛ أو فطورًا؟.

قال ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، والثوري، وغيرهم في قوله: (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ) أي: شقوق.

وقال السدي: (هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ) أي: من خُروق. وقال ابن عباس في رواية: (مِنْ فُطُورٍ) أي: من وُهِيّ (١) وقال قتادة: (هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ) أي: هل ترى خَلَلا يا ابن آدم؟.

وقوله: (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) قال: مرتين. (يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا) قال ابن عباس: ذليلا؟ وقال مجاهد، وقتادة: صاغرًا.

(وَهُوَ حَسِيرٌ) قال ابن عباس: يعني: وهو كليل. وقال مجاهد، وقتادة، والسدي: الحسير: المنقطع من الإعياء.

ومعنى الآية: إنك لو كررت البصر، مهما كررت، لانقلب إليك، أي: لرجع إليك البصر، (خَاسِئًا) عن أن يرى عيبًا أو خللا (وَهُوَ حَسِيرٌ) أي: كليل قد انقطع من الإعياء من كثرة التكرر، ولا يرى نقصًا.

ولما نفى عنها في خلقها النقص بين كمالها وزينتها فقال: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ) وهي الكواكب التي وضعت فيها من السيارات والثوابت.

وقوله: (وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ) عاد الضمير في قوله: (وَجَعَلْنَاهَا) على جنس المصابيح لا على عينها؛ لأنه لا يرمي بالكواكب التي في السماء، بل بشهب من دونها، وقد تكون مستمدة منها، والله أعلم.

وقوله: (وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ) أي: جعلنا (٢) للشياطين هذا الخزي في الدنيا، وأعتدنا لهم عذاب السعير في الأخرى، كما قال: في أول الصافات: ﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ﴾ [الصافات: ٦ - ١٠].

قال قتادة: إنما خلقت هذه النجوم لثلاث خصال: خلقها الله زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها غير ذلك فقد قال برأيه وأخطأ حظه، وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به. رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم.


(١) في هـ، أ: "من وهاء" والمثبت من تفسير الطبري. مستفادا من هوامش ط. الشعب.
(٢) في م: "أي: جعلناها".