للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) أي: لست، ولله الحمد، بمجنون، كما قد يقوله الجهلة من قومك، المكذبون بما جئتهم به من الهدى والحق المبين، فنسبوك فيه إلى الجنون، (وَإِنَّ لَكَ لأجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ) أي: بل لك الأجر العظيم، والثواب الجزيل الذي لا ينقطع ولا يبيد، على إبلاغك رسالة ربك إلى الخلق، وصبرك على أذاهم. ومعنى (غَيْرُ مَمْنُونٍ) أي: غير مقطوع كقوله: ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ [هود: ١٠٨] ﴿فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ [التين: ٦] أي: غير مقطوع عنهم. وقال مجاهد: ﴿غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ أي: غير محسوب، وهو يرجع إلى ما قلناه.

وقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) قال العوفي، عن ابن عباس: أي: وإنك لعلى دين (١) عظيم، وهو الإسلام. وكذلك قال مجاهد، وأبو مالك، والسدي، والربيع بن أنس، والضحاك، وابن زيد.

وقال عطية: لعلى أدب عظيم. وقال مَعْمَر، عن قتادة: سُئلت عائشةُ عن خلق رسول الله . قالت: كان خلقه القرآن، تقول كما هو في القرآن.

وقال سعيد بن أبي عَرُوبَة، عن قتادة قوله: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ذكر لنا أن سعد (٢) بن هشام سأل عائشة عن خلق رسول الله . فقالت: ألست تقرأ القرآن؟ قال: بلى. قالت: فإن خلق رسول الله كان القرآن.

وقال عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن قتادة، عن زُرارة بن أوفى (٣) عن سعد بن هشام قال: سألت عائشة فقلت: أخبريني يا أم المؤمنين -عن خُلُق رسول الله . فقالت: أتقرأ القرآن؟ فقلتُ: نعم. فقالت: كان خلقه القرآن (٤).

هذا حديث طويل. وقد رواه الإمام مسلم في صحيحه، من حديث قتادة بطوله (٥) وسيأتي في سورة "المزمل" إن شاء الله تعالى.

وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا يونس، عن الحسن قال: سألت عائشة عن خلق رسول الله ، فقالت: كان خلقه القرآن (٦).

وقال الإمام أحمد: حدثنا أسود، حدثنا شريك، عن قيس بن وهب، عن رجل من بني سواد قال: سألت عائشة عن خلق رسول الله . فقالت: أما تقرأ القرآن: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)؟ قال: قلت: حدثيني عن ذاك. قالت: صنعت له طعامًا، وصنعت له حفصة طعامًا، فقلت لجاريتي: اذهبي فإن جاءت هي بالطعام فوضعته قبلُ فاطرحي الطعام! قالت: فجاءت بالطعام. قالت: فألقت (٧) الجارية، فوقعت القصعة فانكسرت -وكان نِطْعًا (٨) -قالت: فجمعه رسول الله


(١) في أ: "لعلى خلق".
(٢) في أ: "أ، سعيد".
(٣) في أ: "زرارة بن أبي أوفي".
(٤) تفسير عبد الرزاق (٢/ ٢٤٥).
(٥) صحيح مسلم برقم (٧٤٦).
(٦) المسند (٦/ ٢١٦).
(٧) في أ: "فالتفتت".
(٨) في هـ، م، أ: "نطع"، والمثبت من المسند.