للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يجاهد في سبيل الله. ولا خُيِّر بين شيئين قط إلا كان أحبهما إليه أيسرهما حتى يكون إثمًا، فإذا كان إثما كان أبعد الناس من الإثم، ولا انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه إلا أن تنتهك حرمات الله، فيكون هو ينتقم لله، ﷿ (١)

وقال الإمام أحمد: حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن محمد بن عَجْلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هُرَيرة قال: قال رسولُ الله : "إنما بُعِثتُ لأتمم صالح الأخلاق". تفرد به (٢)

وقوله: (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ) أي: فستعلم يا محمد، وسيعلم مخالفوك ومكذبوك: من المفتون الضال منك ومنهم. وهذا كقوله تعالى: ﴿سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الأَشِرُ﴾ [القمر: ٢٦]، وكقوله: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [سبأ: ٢٤].

قال ابن جريج: قال ابن عباس في هذه الآية: ستعلم ويعلمون يوم القيامة.

وقال العوفي، عن ابن عباس: (بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ) أي: الجنون. وكذا قال مجاهد، وغيره. وقال قتادة وغيره: (بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ) أي: أولى بالشيطان.

ومعنى المفتون ظاهر، أي: الذي قد افتتن عن الحق وضل عنه، وإنما دخلت الباء في قوله: (بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ) لتدل على تضمين الفعل في قوله: (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ) وتقديره: فستعلم ويعلمون، أو: فستُخْبَر ويُخْبَرون بأيكم المفتون. والله أعلم.

ثم قال تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) أي: هو يعلم تعالى أي الفريقين منكم ومنهم هو المهتدي، ويعلم الحزب الضال عن الحق.

﴿فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (٨) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (٩) وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ (١٠) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (١٣) أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (١٤) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (١٥)

يقول تعالى: كما أنعمنا عليك وأعطيناك الشرع المستقيم والخلق العظيم (فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ) (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) قال ابن عباس: لو تُرَخِّص لهم فَيُرَخِّصون.

وقال مجاهد: ودوا لو تركن إلى آلهتهم وتترك ما أنت عليه من الحق.

ثم قال تعالى: (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ) وذلك أن الكاذب لضعفه ومهانته إنما يتقي بأيمانه الكاذبة التي يجترئ بها على أسماء الله تعالى، واستعمالها في كل وقت في غير محلها.


(١) المسند (٦/ ٢٣٢).
(٢) المسند (٢/ ٣٨١).