للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والفواكه (إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ) أي: حلفوا فيما بينهم لَيجُذَّنَ ثَمرها ليلا لئلا يعلم بهم فقير ولا سائل، ليتوفر ثمرها عليهم ولا يتصدقوا منه بشيء، (وَلا يَسْتَثْنُونَ) أي: فيما حلفوا به. ولهذا حنثهم الله في أيمانهم، فقال: (فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ) أي: أصابتها آفة سماوية، (فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ) قال ابن عباس: أي كالليل الأسود. وقال الثوري، والسدي: مثل الزرع إذا حُصِد، أي هشيمًا يبسًا.

وقال ابن أبي حاتم: ذكر عن أحمد بن الصباح: أنبأنا بشر بن زاذان، عن عمر بن صبح (١) عن ليث بن أبي سليم، عن عبد الرحمن بن سابط، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله : "إياكم والمعاصي، إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به رزقًا قد كان هُيِّئ له"، ثم تلا رسول الله : (فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ) قد حرموا خَير جَنّتهم بذنبهم (٢).

(فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ) أي: لما كان وقت الصبح نادى بعضهم بعضًا ليذهبوا إلى الجَذَاذ،

(أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ) أي: تريدون الصرام. قال مجاهد: كان حرثهم عِنَبًا.

(فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ) أي: يتناجون فيما بينهم بحيث لا يُسمعون أحدًا كلامهم. ثم فسر الله عالم السر والنجوى ما كانوا يتخافتون به، فقال: (فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ) أي: يقول بعضهم لبعض: لا تمكنوا اليوم فقيرًا يدخلها عليكم!

قال الله تعالى: (وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ) أي: قوة وشدة. وقال مجاهد: (وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ) أي: جد وقال عكرمة: غيظ. وقال الشعبي: (عَلَى حَرْدٍ) على المساكين. وقال السدي: (عَلَى حَرْدٍ) أي: كان اسم قريتهم حرد. فأبعد السدي في قوله هذا!

(قَادِرِينَ) أي: عليها فيما يزعمون ويَرومون.

(فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ) أي: فلما وصلوا إليها وأشرفوا عليها، وهي على الحالة التي قال الله، ﷿، قد استحالت عن تلك النضارة والزهرة وكثرة الثمار إلى أن صارت سوداء مُدْلَهِمَّة، لا ينتفع بشيء منها، فاعتقدوا أنهم قد أخطئوا الطريق؛ ولهذا قالوا: (إِنَّا لَضَالُّونَ) أي: قد سلكنا إليها غير الطريق فتُهنا عنها. قاله ابن عباس وغيره. ثم رجعوا عما كانوا فيه، وتيقنوا أنها هي فقالوا: (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) أي: بل هذه هي، ولكن نحن لا حَظّ لنا ولا نصيب.

(قَالَ أَوْسَطُهُمْ) قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، ومحمد بن كعب، والربيع بن أنس، والضحاك، وقتادة: أي: أعدلهم وخيرهم: (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ)! قال مجاهد، والسدي، وابن جريج: (لَوْلا تُسَبِّحُونَ) أي: لولا تستثنون. قال السدي: وكان استثناؤهم في ذلك الزمان تسبيحًا.


(١) في أ: "بن صبيح".
(٢) وفي إسناد عمر بن صبح قال ابن حيان: كان ممن يضع الحديث. وقال الدارقطنى: متروك. وقال الأذي: كذاب. وله شاهد من حديث ثوبان، ، رواه الإمام أحمد في المسند (٥/ ٢٧٧).