للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يقول تعالى: (فَاصْبِرْ) يا محمد على أذى قومك لك وتكذيبهم؛ فإن الله سيحكم لك عليهم، ويجعل العاقبة لك ولأتباعك في الدنيا والآخرة، (وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ) يعني: ذا النون، وهو يونس بن متى، ، حين ذهب مُغَاضِبًا على قومه، فكان من أمره ما كان من ركوبه في البحر والتقام الحوت له، وشرود الحوت به في البحار وظلمات غمرات اليم، وسماعه تسبيح البحر بما فيه للعلي القدير، الذي لا يُرَدّ ما أنفذه من التقدير، فحينئذ نادى في الظلمات. ﴿أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٨٧]. قال الله ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنبياء: ٨٨]، وقال تعالى: ﴿فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الصافات: ١٤٣، ١٤٤] وقال هاهنا: (إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ) قال ابن عباس، ومجاهد، والسدي: وهو مغموم. وقال عطاء الخراساني، وأبو مالك: مكروب. وقد قدمنا في الحديث أنه لما قال: ﴿لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ خرجت الكلمة تَحُفّ حول العرش، فقالت الملائكة: يا رب، هذا صوت ضعيف معروف من بلاد غريبة. فقال الله: أما تعرفون هذا؟ قالوا: لا. قال: هذا يونس. قالوا: يا رب، عبدك الذي لا يزال يرفع له عمل صالح ودعوة مجابة؟ قال: نعم. قالوا: أفلا ترحم ما كان يعمله في الرخاء فتنجيه من البلاء؟ فأمر الله الحوت فألقاه بالعراء؛ ولهذا قال تعالى: (فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ)

وقد قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله قال: قال رسول الله : "لا ينبغي لأحد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى".

ورواه البخاري من حديث سفيان الثوري (١) وهو في الصحيحين من حديث أبي هريرة (٢).

وقوله: (وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ) قال ابن عباس، ومجاهد، وغيرهما: (لَيُزْلِقُونَكَ) لينفذونك بأبصارهم، أي: ليعينوك بأبصارهم، بمعنى: يحسدونك لبغضهم إياك لولا وقاية الله لك، وحمايته إياك منهم. وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق، بأمر الله، ﷿، كما وردت بذلك الأحاديث المروية من طرق متعددة كثيرة.

حديث أنس بن مالك، : قال أبو داود: حدثنا سليمان بن داود العَتَكي، حدثنا شريك (ح)، وحدثنا العباس العَنْبَريّ، حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا شريك، عن العباس بن ذَرِيح، عن الشعبي -قال العباس: عن أنس-قال: قال النبي : "لا رقية إلا من عين أو حُمة أو دم لا يرقأ". لم يذكر العباس العين. وهذا لفظ سليمان (٣).

حديث بُرَيدة بن الحُصَيب، : قال أبو عبد الله ابن ماجة: حدثنا محمد بن عبد الله بن نُمَير، حدثنا إسحاق بن سليمان، عن أبي جعفر الرازي، عن حُصَين، عن الشعبي، عن


(١) المسند (١/ ٣٩٠) وصحيح البخاري برقم (٤٦٠٣).
(٢) صحيح البخاري برقم (٤٦٣١) وصحيح مسلم برقم (٢٣٧٦).
(٣) سنن أبي داود برقم (٣٨٨٩).