للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يقال: نشأ: إذا قام من الليل. وفي رواية عن مجاهد: بعد العشاء. وكذا قال أبو مِجْلَز، وقتادة، وسالم وأبو حازم، ومحمد بن المنكدر.

والغرض أن ناشئة الليل هي: ساعاته وأوقاته، وكل ساعة منه تسمى ناشئة، وهي الآنات. والمقصود أن قيام الليل هو (١) أشد مواطأة بين القلب واللسان، وأجمع على التلاوة؛ ولهذا قال: (هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلا) أي: أجمع للخاطر في أداء القراءة وتفهمها من قيام النهار؛ لأنه وقت انتشار الناس ولَغَط الأصوات وأوقات المعاش.

[وقد] (٢) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، حدثنا أبو أسامة، حدثنا الأعمش، أن أنس بن مالك قرأ هذه الآية: "إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأصوب قيلا" فقال له رجل: إنما نقرؤها (وَأَقْوَمُ قِيلا) فقال له: إن أصوب وأقوم وأهيأ وأشباه هذا واحد. (٣)

ولهذا قال: (إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلا) قال ابن عباس، وعكرمة، وعطاء بن أبي مسلم: الفراغ والنوم.

وقال أبو العالية، ومجاهد، وابن مالك، والضحاك، والحسن، وقتادة، والربيع بن أنس، وسفيان الثوري: فراغًا طويلا.

وقال قتادة: فراغا وبغية ومنقلبا.

وقال السدي: (سَبْحًا طَوِيلا) تطوعا كثيرًا.

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله: ([إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ] سَبْحًا طَوِيلا) (٤) قال: لحوائجك، فَأفْرغ لدينك الليل. قال: وهذا حين كانت صلاة الليل فريضة، ثم إن الله من على العباد فخففها ووضعها، وقرأ: (قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا) إلى آخر الآية، ثم قال: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ﴾ حتى بلغ: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾ [الليل نصفة أو ثلثه. ثم جاء أمر أوسع وأفسح وضع الفريضة عنه وعن أمته] (٥) فقال: قال: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: ٧٩] وهذا الذي قاله كما قاله.

والدليل عليه ما رواه الإمام أحمد في مسنده حيث قال: حدثنا يحيى، حدثنا سعيد ابن أبي عَرُوبة، عن قتادة، عن زُرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام: أنه طلق امرأته ثم ارتحل إلى المدينة ليبيع عقارًا له بها ويجعله في الكُرَاع والسلاح، ثم يجاهد الروم حتى يموت. فلقي رهطًا من قومه فحدثوه أن رهطًا من قومه ستة أرادوا ذلك على عهد رسول الله فقال: "أليس لكم فيّ أسوة (٦)؟ "


(١) في م: "هي".
(٢) زيادة من م.
(٣) مسند أبي يعلى (٧/ ٨٨) ونقل النحقق في الحاشية عن أبي بكر بن الأنباري أنه قال: "حديث لا يصح عن أحد من أهل العلم، لأنه مبنى على رواية الأعمش عن أنس، فهو مقطوع ليس بمتصل، فيؤخذ من قبل أن الأعمش رأي أنسًا ولم يسمع منه".
(٤) زيادة من أ.
(٥) زيادة من تفسير الطبري.
(٦) في أ: "أسوة حسنة".