للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال أبو سلمة: والرجز: الأوثان -ثم حَميَ الوحيُ وتَتَابع".

هذا لفظ البخاري (١) وهذا السياق هو المحفوظ، وهو يقتضي أنه قد نزل الوحي قبل هذا، لقوله: "فإذا الملك الذي جاءني (٢) بحراء وهو جبريل حين أتاه بقوله: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ ثم إنه حصل بعد هذا فترة، ثم نزل الملك بعد هذا. ووجه الجمع أن أول شيء نزل بعد فترة الوحي هذه السورة، كما قال الإمام أحمد:

حدثنا حجاج، حدثنا لَيْث، حدثنا عُقَيل، عن ابن شهاب (٣) قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يقول: أخبرني جابر بن عبد الله: أنه سمع رسول الله يقول: "ثم فتر الوحي عني فترة، فبينا أنا أمشي سمعتُ صوتًا من السماء، فرفعت بصري قِبَل السماء، فإذا الملك الذي جاءني [بحراء الآن] (٤) قاعد على كرسي بين السماء والأرض، فَجُثت (٥) منه فَرَقًا، حتى هَوَيت إلى الأرض، فجئت أهلي فقلت لهم: زملوني زملوني. فزملوني، فأنزل الله: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) ثم حمي الوحي [بعدُ] (٦) وتتابع". أخرجاه من حديث الزهري، به (٧).

وقال الطبراني: حدثنا محمد بن علي بن شعيب السمسار، حدثنا الحسن بن بشر (٨) البَجَلي، حدثنا المعافى بن عمران، عن إبراهيم بن يزيد، سمعت ابن أبي مُلَيْكة يقول: سمعت ابن عباس يقول: إن الوليد بن المغيرة صنع لقريش طعاما، فلما أكلوا. قال: ما تقولون في هذا الرجل؟ فقال بعضهم: ساحر. وقال بعضهم ليس بساحر. وقال بعضهم: كاهن. وقال بعضهم: ليس بكاهن. وقال بعضهم: شاعر. وقال بعضهم ليس بشاعر. وقال بعضهم: [بل] (٩) سحر يُؤثر. فأجمع رأيهم على أنه سحر يؤثر. فبلغ ذلك النبي فحزنَ وقَنعَ رأسه، وتَدَثَّر، فأنزل الله (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) (١٠).

فقوله (قُمْ فَأَنْذِرْ) أي: شمر عن ساق العزم، وأنذر الناس. وبهذا حصل الإرسال، كما حصل بالأول النبوة.

(وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) أي: عظم.

وقوله: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) قال الأجلح الكندي، عن عكرمة، عن ابن عباس: أنه أتاه رجل فسأله عن هذه الآية: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ)


(١) صحيح البخاري برقم (٤٩٢٦).
(٢) في م: "الذي كان".
(٣) في أ: "ابن هشام".
(٤) زيادة من م، أ، والمسند.
(٥) في م: "فجثيت".
(٦) زيادة من المسند.
(٧) المسند (٣/ ٣٢٥)، وصحيح البخاري برقم (٤٩٢٦)، وصحيح مسلم برقم (١٦١).
(٨) في أ: الحسن بن بشير".
(٩) زيادة من م.
(١٠) المعجم الكبير للطبراني (١١/ ١٢٥)، وقال الهيثمي في المجمع (٧/ ١٣١): "وفيه إبراهيم بن يزيد الخوري وهو ضعيف".