للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم قال (وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ)؟ وهذا تهويل لأمرها وتفخيم.

ثم فسر ذلك بقوله: (لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ) أي: تأكل لحومهم وعروقهم وعَصَبهم وجلودهم، ثم تبدل غير ذلك، وهم في ذلك لا يموتون ولا يحيون، قاله ابن بريدة وأبو سنان وغيرهما.

وقوله: (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) قال مجاهد: أي للجلد، وقال أبو رَزين: تلفح الجلد لفحة فتدعه أسود من الليل. وقال زيد بن أسلم: تلوح أجسادهم عليها. وقال قتادة: (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) أي: حراقة للجلد. وقال ابن عباس: تحرق بشرة الإنسان.

وقوله: (عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ) أي: من مقدمي الزبانية، عظيم خلقهم، غليظ خلقهم.

وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا ابن أبي زائدة، أخبرني حريث، عن عامر، عن البراء في قوله: (عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ) قال إن رهطا من اليهود سألوا رجلا من أصحاب رسول الله عن خزنة جهنم. فقال: الله ورسوله أعلم. فجاء رجل فأخبر النبي فنزل عليه ساعتئذ: (عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ) فأخبر أصحابه وقال: "ادعهم، أما إني سائلهم عن تُربَة الجنة إن أتوني، أما إنها (١) دَرْمكة بيضاء". فجاؤوه فسألوه عن خزنة جهنم، فأهوى بأصابع كفيه مرتين وأمسك الإبهام في الثانية، ثم قال: "أخبروني عن تربة الجنة". فقالوا: أخبرهم يا ابن سلام. فقال: كأنها خُبزَة بيضاء. فقال رسول الله : "أما إن الخبز إنما يكون من الدّرمَك". (٢)

هكذا وقع عند ابن أبي حاتم عن البراء، والمشهور عن جابر بن عبد الله، كما قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا منده، حدثنا أحمد بن عَبدَة، أخبرنا سفيان ويحيى بن حكيم، حدثنا سفيان، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر بن عبد الله قال: جاء رجل إلى النبي فقال: يا محمد، غلبَ أصحابك اليوم. فقال: "بأي شيء؟ " قال: سألتهم يَهُود هل أعلمكم نبيكم عدة خزنة أهل النار؟ قالوا: لا نعلم حتى نسأل نبينا . قال رسول الله : "أفغلب قوم سُئلوا عما لا يدرون فقالوا: لا ندرى (٣) حتى نسأل نبينا؟ عليَّ بأعداء الله، لكن سألوا (٤) نبيهم أن يريهم الله جهرة". فأرسل إليهم فدعاهم. قالوا: يا أبا القاسم، كم عدد خزنة أهل النار؟ قال: "هكذا"، وطبق كفيه، ثم طبق كفيه، مرتين، وعقد واحدة، وقال لأصحابه: "إن سئلتم عن تربة الجنة فهي الدَّرمك". فلما سألوه فأخبرهم بعدة خزنة أهل النار، قال لهم رسول الله : "ما تربة الجنة؟ " فنظر بعضهم إلى بعض، فقالوا: خبزة يا أبا القاسم. فقال: "الخبز من الدَّرمك".

وهكذا رواه الترمذي عند هذه الآية عن ابن أبي عمر، عن سفيان، به (٥) وقال هو والبزار:


(١) في م: "إنها كأنها".
(٢) ورواه البيهقي في البعث برقم (٥٠٩) من طريق مسروق بن المرزبان، عن ابن أبي زائدة به، وقال: "حديث ابن أبي مطر -أي حريث- ليس بالقوى، وحديث جابر أصح" وهو الآتي بعده.
(٣) في م: "قالوا لا نعلم".
(٤) في م، أ: "لكنهم قد سألوا".
(٥) سنن الترمذي برقم (٣٣٢٧).