للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تعالى: (كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) أي: من مثل هذا وأشباهه يتأكد الإيمان في قلوب أقوام، ويتزلزل عند آخرين، وله الحكمة البالغة، والحجة الدامغة.

وقوله: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ) أي: ما يعلم عددهم وكثرتهم إلا هو تعالى، لئلا يتوهم متوهم أنهم تسعة عشر فقط، كما قد قاله طائفة من أهل الضلالة والجهالة ومن الفلاسفة اليونانيين. ومن تابعهم (١) من الملتين الذين سمعوا هذه الآية، فأرادوا تنزيلها على العقول العشرة والنفوس التسعة، التي اخترعوا دعواها وعجزوا عن إقامة الدلالة على مقتضاها، فأفهموا (٢) صدر هذه الآية وقد كفروا بآخرها، وهو قوله: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ)

وقد ثبت في حديث الإسراء المروي في الصحيحين وغيرهما. عن رسول الله أنه قال في صفة البيت المعمور الذي في السماء السابعة: "فإذا هو يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه آخر ما عليهم" (٣).

وقال الإمام أحمد: حدثنا أسود، حدثنا إسرائيل، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن مورق، عن أبي ذر قال: قال رسول الله : "إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطت السماء وحُقَّ لها أن تَئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا عليه ملك ساجد، لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرًا، ولا تَلَذّذتم بالنساء على (٤) الفُرُشات، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله ﷿". فقال أبو ذر: والله لوددتُ أني شجرة تُعضد.

ورواه الترمذي وابن ماجه، من حديث إسرائيل (٥) وقال الترمذي: حسن غريب، ويروى عن أبي ذر موقوفًا.

وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا خير (٦) بن عرفة المصري، حدثنا عُرْوَة بن مروان الرقي، حدثنا عبيد الله بن عمرو، عن عبد الكريم بن مالك، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله : "ما في السموات السبع موضع قدم ولا شبر ولا كف إلا وفيه ملك قائم، أو ملك ساجد، أو ملك راكع، فإذا كان يوم القيامة قالوا جميعا: سبحانك! ما عبدناك حَقَّ عبادتك، إلا أنا لم نشرك بك شيئًا". (٧).

وقال محمد بن نصر المروزي في "كتاب الصلاة": حدثنا عمرو بن زرارة، أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء، عن سعيد، عن قتادة، عن صفوان بن مُحْرِز، عن حكيم بن حزام قال: بينما رسول الله مع أصحابه إذ قال لهم: "هل تسمعون ما أسمع؟ " قالوا: ما نسمع من شيء. فقال


(١) في م: "ومن شايعهم".
(٢) في أ: "فما فهموا".
(٣) هذا جزء من حديث أنس الطويل في الإسراء، وهو في صحيح البخاري برقم (٧٥١٧)، وصحيح مسلم برقم (١٦٢). وهذا القدر قد وقع لمسلم من هذا الوجه، وانظر أحاديث الإسراء عند تفسير أول سورة الإسراء.
(٤) في أ: "في".
(٥) المسند (٥/ ١٧٣)، وسنن الترمذي برقم (٢٣١٢)، وسنن ابن ماجة برقم (٤١٩٠).
(٦) في م: "حدثنا حسين".
(٧) المعجم الكبير (٢/ ١٨٤)، وقال الهيثمي في المجمع (١/ ٥٢): "وفيه عروة بن مروان". قلت: قال الدارقطني: ليس بالقوى.