للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال الإمام مالك، عن طلحة بن عبد الملك الأيلي، عن القاسم بن مالك، عن عائشة، ، أن رسول الله قال: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يَعصي الله فلا يَعصِه"، رواه البخاري من حديث مالك (١).

ويتركون المحرمات التي نهاهم عنها خيفة من سوء الحساب يوم المعاد، وهو اليوم الذي شره مستطير، أي: منتشر عام على الناس إلا من رَحِمَ الله.

قال ابن عباس: فاشيًا. وقال قتادة: استطار -والله-شرّ ذلك اليوم حتى مَلأ السماوات والأرض.

قال ابن جرير: ومنه قولهم: استطار الصدع في الزجاجة واستطال. ومنه قول الأعشى:

فَبَانَتْ وَقَد أسْأرت في الفُؤا … د صَدْعًا، على نَأيها مُستَطيرًا (٢)

يعني: ممتدا فاشيا.

وقوله: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ) قيل: على حب الله تعالى. وجعلوا الضمير عائدًا إلى الله ﷿ لدلالة السياق عليه. والأظهر أن الضمير عائد على الطعام، أي: ويطعمون الطعام في حال محبتهم وشهوتهم له، قاله مجاهد، ومقاتل، واختاره ابن جرير، كقوله تعالى: ﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ﴾ [البقرة: ١٧٧]، وكقوله تعالى: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٢].

وروى البيهقي، من طريق الأعمش، عن نافع قال: مرض ابن عمر فاشتهى عنبا -أول ما جاء العنب-فأرسلت صفية -يعني امرأته-فاشترت عنقودًا بدرهم، فاتبع الرسولَ السائل، فلما دخل به قال السائل: السائل. فقال ابن عمر: أعطوه إياه. فأعطوه إياه. ثم أرسلت بدرهم آخر فاشترت عنقودًا فاتبع الرسولَ السائلُ، فلما دخل قال السائل: السائل. فقال ابن عمر: أعطوه إياه. فأعطوه إياه. فأرسلت صفية إلى السائل فقالت: والله إن عُدتَ لا تصيبُ منه خيرًا أبدًا. ثم أرسلت بدرهم آخر فاشترت به (٣).

وفي الصحيح: "أفضل الصدقة أن تَصَدّقَ وأنت صحيح، شحيح، تأمل الغنى، وتخشى الفقر" (٤) أي: في حال محبتك للمال وحرصك عليه وحاجتك إليه؛ ولهذا قال تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) أما المسكين واليتيم، فقد تقدم بيانهما وصفتهما. وأما الأسير: فقال سعيد بن جبير، والحسن، والضحاك: الأسير: من أهل القبلة. وقال ابن عباس: كان أسراؤهم يومئذ مشركين. ويشهد لهذا أن رسول الله أمر أصحابه يوم بدر أن يكرموا الأسارى، فكانوا يقدمونهم على أنفسهم عند الغداء، وهكذا قال سعيد بن جبير، وعطاء، والحس، وقتادة.


(١) صحيح البخاري برقم (٦٦٩٦، ٦٧٠٠).
(٢) تفسير الطبري (٢٩/ ١٢٩).
(٣) السنن الكبرى للبيهقي (٤/ ١٨٥).
(٤) صحيح مسلم برقم (١٠٣٢) من حديث أبي هريرة .