للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا) أي: قريبة إليهم أغصانها، (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا) أي: متى تعاطاه دنا القطْفُ إليه وتدلى من أعلى غصنه، كأنه سامع طائع، كما قال تعالى في الآية الأخرى: ﴿وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ﴾ [الرحمن: ٥٤] وقال تعالى ﴿قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ﴾ [الحاقة: ٢٣]

قال (١) مجاهد: (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا) إن قام ارتفعت بقَدْره، وإن قعد تَدَلَّتْ (٢) له حتى ينالها، وإن اضطجع تَدَلَّت (٣) له حتى ينالها، فذلك قوله: (تَذْلِيلا)

وقال قتادة: لا يرد أيديهم عنها شوكٌ ولا بُعدُ.

وقال مجاهد: أرض الجنة من وَرق، وترابها المسك، وأصول شجرها من ذهب وفضة، وأفنانها من اللؤلؤ الرطب والزبرجد والياقوت، والوَرَق والثمر بين ذلك. فمن أكل منها قائما لم يؤذه، ومن أكل منها قاعدا لم يؤذه، ومن أكل منها مضطجعًا لم يؤذه.

وقوله: (وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ) أي: يطوف عليهم الخَدَم بأواني الطعام، وهي من فضة، وأكواب الشراب وهي الكيزان التي لا عرى لها ولا خراطيم.

وقوله (٤): (قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ) فالأول منصوب بخبر "كان" أي: كانت قوارير. والثاني منصوب إما على البدلية (٥) أو تمييز؛ لأنه بينه بقوله: (قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ)

قال ابن عباس، ومجاهد، والحسن البصري، وغير واحد: بياض الفضة في صفاء الزجاج، والقوارير لا تكون إلا من زجاج. فهذه الأكواب هي من فضة، وهي مع هذا شفافة يرى ما في باطنها من ظاهرها، وهذا مما لا نظير له في الدنيا.

قال ابن المبارك، عن إسماعيل، عن رجل، عن ابن عباس: ليس في الجنة شيء إلا قد أعطيتم في الدنيا شبهه إلا قوارير من فضة. رواه ابن أبي حاتم.

وقوله: (قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا) أي: على قدر ريّهم، لا تزيد عنه ولا تنقص، بل هي مُعَدّة لذلك، مقدرة بحسب ريّ صاحبها. هذا معنى قول ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وأبي صالح، وقتادة، وابن أبزى، وعبد الله بن عُبَيد بن عمير، وقتادة، والشعبي، وابن زيد. وقاله ابن جرير وغير واحد. وهذا أبلغ في الاعتناء والشرف والكرامة.

وقال العَوفي، عن ابن عباس: (قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا) قدرت للكف. وهكذا قال الربيع بن أنس. وقال الضحاك: على قدر أكُفّ الخُدّام. وهذا لا ينافي القول الأول، فإنها مقدرة في القَدْر والرّي.

وقوله: (وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلا) (٦) أي: ويسقون -يعني الأبرار أيضا-في هذه الأكواب (كَأْسًا) أي: خمرًا، (كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلا) فتارة يُمزَج لهم الشراب بالكافور


(١) في م: "وقال".
(٢) في أ: "تذللت".
(٣) في أ: "تذللت".
(٤) في م، أ: "وهذه".
(٥) في أ: "على البداية".
(٦) في أ: "كان مزاجه" وهو خطأ.