للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا) قال علي، ومجاهد، وعطاء، وأبو صالح، والحسن، وقتادة، والربيع بن أنس، والسدي: هي الملائكة-زاد الحسن: تدبر الأمر من السماء إلى الأرض. يعني: بأمر ربها ﷿. ولم يختلفوا في هذا، ولم يقطع ابن جرير بالمراد في شيء من ذلك، إلا أنه حكى في (فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا) أنها الملائكة، ولا أثبت ولا نفى.

وقوله: (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) قال ابن عباس هما النفختان الأولى والثانية. وهكذا قال مجاهد، والحسن، وقتادة، والضحاك، وغير واحد.

وعن مجاهد: أما الأولى-وهي قوله: (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ) -فكقوله جلت عظمته: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ﴾ [المزمل: ١٤]، والثانية-وهي الرادفة-فهي كقوله: ﴿وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً﴾ [الحاقة: ١٤].

وقد قال الإمام أحمد حدثنا وَكِيع، حدثنا سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الطفيل بن أبي بن كعب، عن أبيه قال: قال رسول الله : "جاءت الراجفة، تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه". فقال رجل: يا رسول الله، أرأيت إن جعلت صلاتي كلها عليك؟ قال: "إذًا يكفيك الله ما أهَمَّك من دنياك وآخرتك".

وقد رواه الترمذي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، من حديث سفيان الثوري، بإسناده مثله (١) ولفظ الترمذي وابن أبي حاتم: كان رسول الله إذا ذهب ثلث الليل قام فقال: " يا أيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه".

وقوله: (قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ) قال ابن عباس: يعني خائفة. وكذا قال مجاهد، وقتادة.

(أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ) أي: أبصار أصحابها. وإنما أضيف إليها؛ للملابسة، أي: ذليلة حقيرة؛ مما عاينت من الأهوال.

وقوله: (يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ)؟ يعني: مشركي قريش ومن قال بقولهم في إنكار المعاد، يستبعدون وقوعَ البعث بعد المصير إلى الحافرة، وهي القبور، قاله مجاهد. وبعد تمزق أجسادهم وتفتت عظامهم ونخورها؛ ولهذا قالوا: (أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً)؟ وقرئ: "ناخرة".

وقال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة: أي بالية. قال ابن عباس: وهو العظم إذا بلي ودَخَلت

الريح فيه. (قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ)

وعن ابن عباس، ومحمد بن كعب، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وأبي مالك، والسدي، وقتادة: الحافرة: الحياة بعد الموت. وقال ابن زيد: الحافرة: النار. وما أكثر أسمائها! هي النار، والجحيم، وسقر، وجهنم، والهاوية، والحافرة، ولظى، والحُطَمة.

وأما قولهم: (تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ) فقال محمد بن كعب: قالت قريش: لئن أحيانا الله بعد أن نموت لنخسرن.


(١) المسند (٥/ ١٣٦)، وسنن الترمذي برقم (٢٤٥٧)، وتفسير الطبري (٣٠/ ٢١).