للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ) أي: كلمه نداء، (بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ) أي: المطهر، (طُوًى) وهو اسم الوادي على الصحيح، كما تقدم في سورة طه. فقال له: (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) أي: تجبر وتمرد وعتا، (فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى)؟ أي: قل له هل لك أن تجيب إلى طريقة ومسلك تَزكَّى به، أي: تسلم وتطيع. (وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ) أي: أدلك إلى عبادة ربك، (فَتَخْشَى) أي: فيصير قلبك خاضعا له مطيعا خاشيا بعدما كان قاسيا خبيثا بعيدا من الخير. (فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى) يعني: فأظهر له موسى مع هذه الدعوة الحق حجة قويةً، ودليلا واضحا على صدق ما جاءه به من عند الله، (فَكَذَّبَ وَعَصَى) أي: فكذب بالحق وخالف ما أمره به من الطاعة. وحاصلُه أنه كَفَر قلبُه فلم ينفعل (١) لموسى بباطنه ولا بظاهره، وعلمُهُ بأن ما جاء به أنه حق لا يلزم منه أنه مؤمن به؛ لأن المعرفة علمُ القلب، والإيمان عمله، وهو الانقياد للحق والخضوع له.

وقوله: (ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى) أي: في مقابلة الحق بالباطل، وهو جَمعُهُ السحرة ليقابلوا ما جاء به موسى، ، من المعجزة الباهرة، (فَحَشَرَ فَنَادَى) أي: في قومه، (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى)

قال ابن عباس ومجاهد: وهذه الكلمة قالها فرعون بعد قوله: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ [القصص: ٣٨] بأربعين سنة.

قال الله تعالى: (فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأولَى) أي: انتقم الله منه انتقاما جعله به عبرة ونكالا لأمثاله من المتمردين في الدنيا، ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ﴾ [هود: ٩٩]، كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنْصَرُونَ﴾ [القصص: ٤١]. هذا هو الصحيح في معنى الآية، أن المراد بقوله: (نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأولَى) أي: الدنيا والآخرة، وقيل: المراد بذلك كلمتاه الأولى والثانية. وقيل: كفره وعصيانه. والصحيح الذي لا شك فيه الأول.

وقوله: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى) أي: لمن يتعظ وينزجر.


(١) في أ: "فلم يفعل".