للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد اختار ابن جرير أن المراد بقوله: (إِذَا عَسْعَسَ) إذا أدبر. قال لقوله: (وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ) أي: أضاء، واستشهد بقول الشاعر (١) أيضا:

حَتّى إذا الصُّبحُ له تَنَفَّسا … وانجابَ عَنها لَيلُها وعَسعَسَا

أي: أدبر. وعندي أن المراد بقوله: (عَسْعَسَ) إذا أقبل، وإن كان يصح استعماله في الإدبار، لكن الإقبال هاهنا أنسب؛ كأنه أقسم تعالى بالليل (٢) وظلامه إذا أقبل، وبالفجر وضيائه إذا أشرق، كما قال: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾ [الليل: ١، ٢]، وقال: ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى﴾ [الضحى: ١، ٢]، وقال ﴿فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا﴾ [الأنعام: ٩٦]، وغير ذلك من الآيات.

وقال كثير من علماء الأصول: إن لفظة "عسعس" تستعمل في الإقبال والإدبار على وجه الاشتراك، فعلى هذا يصح أن يراد كل منهما، والله أعلم.

قال ابن جرير: وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب يزعم أن "عسعس": دنا من أوله وأظلم. وقال الفراء: كان أبو البلاد (٣) النحوي يُنشد بيتًا:

عَسعَس حَتَّى لو يشاء ادّنا … كانَ له من ضَوئه مَقبس

يريد: لو يشاء إذ دنا، أدغم الذال في الدال. وقال الفراء: وكانوا يَرَون أن هذا البيت مصنوع (٤).

وقوله: (وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ) قال الضحاك: إذا طلع. وقال قتادة: إذا أضاء وأقبل. وقال سعيد بن جبير: إذا نشأ. وهو المروي عن علي، .

وقال ابن جرير: يعني: وَضَوءُ النهار إذا أقبل وَتَبَيَّن.

وقوله: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) يعني: أن هذا القرآن لتبليغُ رسول كريم، أي: ملك شريف حَسَن الخلق، بهي المنظر، وهو جبريل، . قاله ابن عباس، والشعبي، وميمون بن مِهْران، والحسن، وقتادة، والضحاك، والربيع بن أنس، وغيرهم.

(ذِي قُوَّةٍ) كقوله ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ [فَاسْتَوَى](٥) [النجم: ٥، ٦]، أي: شديد الخَلْق، شديد البطش والفعل، (عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) أي: له مكانة عند الله ﷿ ومنزلة رفيعة.

قال أبو صالح في قوله: (عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) قال: جبريل يدخل في سبعين حجابا من


(١) البيت في تفسير الطبري (٣٠/ ٥٠) منسوبا إلى علقمة بن قرط.
(٢) في م: "بالفجر".
(٣) في أ: "أبو التلاد".
(٤) تفسير الطبري (٣٠/ ٥٠)
(٥) زيادة من أ.